قتلٌ ودمارٌ وتهجير وأقلّه 100 سنة رجعة إلى الوراء.
لا انتصارات في الحروب إلّا في خطاباتِ "المُنتَصرين". ها نحن في لبنان قد وُلدنا في الحرب وعاصَرنا الحروب المتعاقِبة منذُ أكثر من 40 سنة. أين وصلنا؟!
فقرٌ وتعبٌ وجوع. عِلَلٌ وأمراضٌ نفسيّة وجسديّة. خلافاتٌ، إنقساماتٌ وكره. جراحٌ، أوجاعٌ وإعاقات. أراملُ، يتامى ومتروكون. مهجّرون، مغتربون ومبعَدون. أسرى، أسلحةٌ، قتلٌ وموت. جرائمُ، اغتيالات، قضايا مقفلة وأدراجٌ مغلقة.عنفٌ، تفجيرٌ وتدمير.هذا ما وَصَلنا إليه وهذا هو واقعُ الحالِ منذُ حوالي 40 سنة إلى اليوم. هذه هي ثمارُ الحرب. أَيخرجُ مِنَ الشّوكِ عِنَب أو مِنَ العلّيقِ تين؟! كذلك هي الحروب، لا يُمكِنُ أن تُثمِرَ انتصاراتٍ حقيقيّةً ولا ازدهاراً أو جمالاً وهي بالتأكيد تقفُ عائقاً أمامَ الأحلامِ والطموحاتِ والإنجازاتِ والأفراح.
في الحروبِ انكسارٌ لا انتصار وهي تؤدّي إلى خسائر في البشرِ والحجر. والمُلفِتُ أنَّ الذين يَستَسهلون لغةَ العنفِ والحربِ يصوّرونها بطولاتٍ ومغامراتٍ وأمجاداً وإنجازاتٍ ويتفاخرون كأنّه ما مِن ثَمَنٍ باهظٍ قد دُفِعَ من أرواحِ النّاس وممتلكاتِهم.
صحيحٌ أنَّ بعضَ الحروبِ تفرِضُ ذاتَها وتصبحُ أمراً واقعاً لا مَهرَبَ منهُ إلّا بالدّفاعِ عنِ النفسِ أمامَ مَن اغتصبَ الأرضَ والهويةَ والتاريخ، ولكن أنْ تُصبحَ الحربُ هي الأسلوبُ الوحيدُ والأفضلُ والأنسَبُ والأشرَف وهي التكليفُ الإلهيّ غير القابلِ للنقاش والذي لا بديلَ عنه، فهذا مرفوض.
ثمّة لغاتٌ أخرى وثمّة أساليب نحقٌّقُ بها الإنجازاتِ ونحفَظُ بها الحقوقَ والكراماتِ دونَ أن نُقَبّلَ الأيادي، ولكن أيضاً دونَ أن نقطَعَها. ثمّة كفاءاتٌ وكفوؤون يُتقِنون فنَّ الكلِمةِ الدّيناميكيّةِ الفاعِلة التي تقدّرُ الثرواتِ وتُحافظُ عليها دونَ أن يحنيَ أحدٌ رأسَهُ ولكن أيضاً دونَ أن يقطَعَ الرّؤوس.
بشرٌ نحن، وقد أُعطينا عقولاً وحِكمَةً وذكاءً ومواهبَ تُخوِّلُنا أن نَستَنبِطَ حلولاً تُخرِجُنا من المآزقِ وتَمنَحُنا فرصةَ حياةٍ أفضل. ليسَ افتعالُ الأزماتِ واختلاقُها والتفنّنُ بتعقيدِها فنّاً وليسَ كلُّ مَن يُقَدِّمُ نفسَهُ مُنقِذاً هو بطلٌ حقّاً.
كفاكُم تباهياً يا أهلَ التّباهي وكفاكُم انتفاخاً أيّها المُتَعالون االمكابِرون. تَغفَلون عن مآسي الشّعوبِ وتُهلّلونَ لِما تُسمّونَهُ انتصاراً للكرامات والواقعُ أنّكم، كي تبقوا أنتم أحياء في مناصبكم أو مخابئكم، تُعرِّضونَ حياةَ الإنسانِ للخطر وتَعرِضون على الخلقِ العيشَ في كَنَفِكُم وتحتَ جناحِ أفكارِكم وخياراتِكم وإلّا... لذلكَ ما زلنا نرى من يَتَوَدَّدُ ويتزلَّفُ ويزحَفُ ويخضعُ ويُناوِر...وهذا بالتّحديدِ تهديدٌ وهو بالتّأكيدِ إهانةٌ للحريةِ والكرامة.
في أُفُقِ هذا الوطنِ هواءٌ نتنشّقُه يمنحُ الحرّيّة، وفي سماءِ هذا الوطنِ شمسٌ ساطعةٌ لِمَن يريدُ وضوحاً في الرّؤية، وفي ربوعِ هذه الأرضِ خَضارٌ وألوانٌ لِمَن يعشقُ الحياةَ ولا يساوِمُ عليها. وهناكَ نفحةُ الرّوحِ المَمنوحَةِ مِن عَلُ منذُ التكوين وهي في عمقِ كيانِ كلِّ إنسانٍ وليسَتْ لِلمُختارينَ فقط أو لِمَن يُعلِنونَ أنفُسَهم مختارين. إنّها نفحةٌ لكلِّ إنسانٍ وهيَ تدعونا للتخلّي عنِ الشرِّ واختيار الخير، تدعونا لنَنبُذَ العنفَ ونختار السّلام، تدعونا لنتحرَّرَ مِنَ الكُرهِ ونعتنق المحبّةَ ديناً يجمعُ ولا يفرّق، يبني ولا يهدّم، يحيي ولا يقتل. المحبّةُ هي اللغةُ العابرةُ للأديان وللطوائفِ وللإتنيّاتِ وللشعوب بكلّ أنواعها. المحبّةُ هي اللغةُ التي يحتاجُ اليها كلُّ إنسانٍ لا سيّما في وطنِنا الذي يجتاحُهُ الكرهُ ويتركُهُ في قبضةِ الشرِّ وقوى الظّلام.
وما الحروبُ إلّا نتيجةُ الأحقادِ والصّراعاتِ والانقساماتِ وما هي إلّا سباقٌ على المصالحِ والمغانمِ والثروةِ والسّلطة! فلا يغشَّنَّكم خطّيب بارِعٌ ولا يُقنِعَنّكم بأنَّ تفانيهِ حبّاً بِكُم وخدمةً لمصالِحِكم. ما خلّفَتِ الحروبُ يوماً إلّا الكرهَ والخَيبةَ والنّكبَة. هذا ما اختبَرَهُ أجدادُنا كلّما قرعَت طبولُ الحروبِ وقد صَمَدوا وقاوَموا كي لا يسودَ الموتُ وهذا ما اختَبَرناه نحنُ خلال 40 سنة من المآسي والحروب وقد صَمَدنا وما زِلنا نُقاوِم كي تنتصرَ الحياة.
وإلى الذينَ يفتخرون بإنجازاتٍ وانتصاراتٍ عمرها 40 سنة هل حقّاً تَرَونَ ما صنعتموهُ انتصاراً قد حقّقَ النعيم؟!
لأنّي ما زِلتُ أرى انكسارَ القلوبِ واضمحلالَ الحقيقةِ وتَرَنُّحَ العدالة، ما زِلتُ أرى طوابيرَ الذلّ تنتظرُ انتصارَ الحقِّ على باطلٍ فرَضَتهُ حروبُكم.
وفي اليومِ الواحدِ أقرأُ أكثرَ مِن 40 مرّة عن جحيمٍ نحنُ مدعوون لمقاوَمَتِهِ كي لا نضطرَّ أن نعيشَ ما تبقّى من العمرِ في وادي ظلالِ الموت.
باللّه عليكُم، عن أيّةِ انتصاراتٍ تتحدّثون وفي الحربِ لا انتصار!