ينظر إلى الأفق البعيد بعينين حزينتين حمراوين أثقلهما الهمّ والحزن ومصاعب الحياة الكثيرة.
يبدو أنّه في خير لكنّ الحقيقة غير ذلك، فهو يقف من غير حراك، وكأنّما يحمل ثقلًا كبيرًا جدًّا. عيناه ثابتتان لا تتحرّكان تحدّقان في الأفق البعيد وكأنّما أصابهما الخدر. يشدّ على يديه كي يبدو قويًّا، وكي لا يقع ويسقط فيبدو ضعيفًا أمام زوجته وعامة الناس، وزوجته المريضة تقف إلى جانبه وهي تتكئ عليه، وتنظر في عينيه اللتين لم تعد تراهما كما كانتا في السابق. فقد كانتا تبرقان كماستين مصقولتين تعكسان ألق السعادة والحبّ، أمّا الآن فلم تعودا كما كانتا في السابق، وقد انطفأ بريقهما واشتعلا غضبًا واحمرارًا من تلك الحياة الظالمة القاسية المريرة.
يقف ذلك الرجل وكأنّه مصدوم محطّم لم يعد ينتظر شيئًا من هذه الحياة البائسة سوى لقمة العيش المغمّسة بالدم، وذلك الأفق البعيد الذي ينظر إليه بحسرة لا يحرّك ساكنًا، ويزداد ضبابية وفوضوية وتلك الحياة التي
دخل في تفاصيلها أفقدته العزيمة وجارت عليه فحنت ظهره، وأخذ الصمت يطبق على قلبه حتى انهار بين ذكريات الماضي القديم، علّه يخمد نار روحه المشتعلة، ويجد في هروبه إلى الماضي القديم أملًا في أن ينسى زمن حاضر صعب أدمى مقلتيه وجعله لا يحبّذ مثل تلك الحياة البائسة الصعبة المريرة.