النهار

هنا لبنان… هنا بيروت
المصدر: النهار - غادة المرّ
هنا لبنان… هنا بيروت
هنا بيروت…
A+   A-
هنا بيروت…
يكفي فخامة الاسم المحفور في رزنامة أوراق الزّمن الغابر، زمن غفا على حدود الضجر.
أن تكون لبنانيّاً، في قلبك ترقد حضارة فينيقية، إبداع شعب، كافح وغامر وعبر عُباب أمواج الحلم والصّلابة. هذا يكفي.
مجد الأيام ها هنا، صوت هدير اندحار الغزاة ورحيلهم المدوّي، ما زالت صخور وطني تحفظ التّواريخ، وتحفظ حروف ذاك الفجر البهيّ، بحبر دم العروق الأرجوانيّ.
ما بالكم صامتون… كصمت أهل الكهف؟
ما بالكم تنوحون وتندبون؟
راجعوا تاريخ الشّعوب وتعلّموا من الدّروس، تعلّموا أنّ وطن الأرز: روابيه وشطآنه، سماءه ومدنه عصيّة على الغزوات والاحتلالات وبقاء الجيوش الغاشمة.
فخر الدّين وبشير من هذه الأرض، من هنا، غسان تويني وشارل مالك، من هذه الضَيع والطّرقات في مسام ثقافاتهم تنام قصصٌ من رائحة شلوح الأرز والصّنوبر والحور والسّنديان.
هنا بيروت…
ترقد ها هنا، عراقة بيوتها وأبنيتها، سحر شرق ودلع ثقافة. هنا ينام الغروب ويسهر العمر، وعلى خيوط الشّمس يستيقظ الفجر ويصحو الحرف من بين صفحات الكتب ورائحة حبر الكلمات.
هنا بيوت وأجراس كنائس ومآذن.
هنا عبق رائحة القهوة، تمتزج بعبق رائحة المنتور والورد والياسمين. ورائحة الخبز والزّعتر وكلّ الولع والحنين.
لبنان نحن وعنفوان شعب لا يذّل ولا يستكين. يكفي فخامة الاسم تتكلّم.
وطن الحرف والأبجديّة، وطن الشّعر والموسيقى، وطن فيروز والأخوين الرّحباني ووديع الصّافي وملحم بركات.
أنسيتم؟ هنا مهد جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وحسن كامل الصّباح … هنا يقبع تاريخنا، وحضارتنا تصرخ أن نكون أوفياء. سعيد عقل ينام على تلّة تحت فيء أرز الرّب، ويردّد الصدى كلماته وأشعاره الرّائعة.
ما بالكم يائسون ومنهزمون؟ قاوموا وناضلوا وأثبتوا لهم وللعالم أجمع، أنّكم شعب لا يركع إلاّ على أقدام الصّليب ولا يبكي إلاّ في الجمعة العظيمة. في دمكم طهارة ثلوج صنّين وجبل المكمل، قمم شامخة عبر العصور تناجي الرّب وتصلّي بخشوع، وهناك ترسم لوحات بألوان الغروب المخمليّة.
نحن درّة هذا الشّرق المنكوب والحزين. نحن صوته وضميره. نحن منارته وسفينته. نحن شعب، جذوره ضاربة في عمق التّاريخ، ولا يمكن لمرتزقة وأعداء وعقائد غريبة وهجينة، أن تطمس وجودنا وحضارتنا، وأن تشوّه وتلغي وجودنا وعنفواننا. نحن شعب جذوره ممتدّة في جميع أرجاء المعمورة.
هنا لبنان يا سادة، هنا وطني الّذي به أفتخر. هنا صلابة شعب عانى الأمرّين وتحمّل الويلات والحروب وعايش الاحتلالات ودحرها وانتصر.
أنا وأنت ونبض قلب وروح لا تنكسر ولا تستكين.
لا تخافوا دعوهم يحكمون وينهبون ويستبدّون، هم سلطة العهر والفشل تختبئ خلف ثوب الغدر والخيانة والخطيئة.
سيرحلون قريباً. فبئس حكّام عملاء فاسدين وجبناء، باعوا الوطن والبشر وطمسوا التّاريخ ومحوا خطوط الجغرافيا والسّيادة والكرامة. خنقوا الفرح والرّقيّ واغتالوا العدالة.
لا يا سادة… لا يا سلطتي الفاشلة لا يا دخلاء، نحن أقوياء بالحقّ لن نستسلم ولن نرحل عن هذه الأرض.
لبنانيّون نحن. أنسيتم؟
هنا لبنان… هنا بيروت… هنا شعب أدهش العالم وأمسك الزّمن وطوّع المستحيل وصبر وصمد وأنتصر.
أنتم الدّخلاء، اليوم أنتم هنا، وغداً ترحلون وتلفظكم صخور نهر الكلب، وترتفع لوحة جلاء جديدة.
هنا بيروت يا سادة… قلب الشَرق.
احملوا لبنانكم المسخ والهجين والمقيت والذّليل والمشوّه، وارحلوا غير مأسوف عليكم وأحملوا معكم سلطتكم الفاسدة والفاشلة والعميلة. ولتعلموا جيّداً… هنا بيروت وهنا هنا لبناننا نحن.
"يا رب لبنان هل كم أرزة عاجقين الكون … يا رب
لا تترك سما لبنان للبوم والغربان ".

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium