لقد كبِرت يا أبي وغدوت على أبواب الشيخوخة فصرت أدرك أكثر كم كنت تتألم لأمور تحدث رغمًا عنك، فأتذمر منك بسببها كرجفان يدك احيانًا وسقوط القهوة أو عدم سماعك لي أحيانًا أخرى عندما كنت أناديك فأصرخ في وجهك. أو عدم قدرتك على غسل وجهك جيدًا لأنّ يدك كانتا تخونانك بقوتهما المنهارة فأؤنبك وألومك. أصبحت أشعر بأوجاعك وأعلم بمدى تأثرك بصمت حينما كنت لا أكترث لرأيك فأغضّ الطرف عن كلامك وأحاديثك. سامحني يا أبي فشهوة الطموح والكبرياء وسكرة الشباب كانت تجعلني أعمى البصيرة وجاهلًا في معرفتي لحقيقة الحياة.
أختلي بذاتي في بعض الأوقات وأراجع صفحات العمر وحياتي معك فأكتشف كم ضحيت لأجلي وكم رميت من سنين عمرك أمام أقدامي لتكون جسرًا أعبر عليه الى مستقبل آمن، وكم كان فرحك كبيراً في تضحياتك وحرمان ذاتك من ملذات الحياة ونِعم هذه الدنيا لأجلي، كي لا تشعر للحظة بأنني محروم وحزين.
لقد اجتزت القسم الأكبر من رحلة العمر وغدوت في مكان لا أستطيع فيه العودة لأصحح أخطائي وأبلسم كل جراح سببتها لك في صباي، فلا أخجل من وجودك ونصائحك أمام الناس، بل أعتز بها وأقبِل يدك بفخر وحب عظيمين. أشكر ربي أنني استيقظت من كبوة أخطائي وظلمي لك قبل فوات الأوان وقبل أن أصبح شيخاً وتكون انت رحلت عني إلى الأبد. أسأل الله أن يطيل من عمرك ويبعث الفرح في قلبك للسنين الباقية لك في هذه الأرض فأنت البركة والنعمة لنا ولأولادنا يا سيدي الحبيب...