النهار

رحلة موجعة
ها قد رحل من دون سابق إنذار. رفع معه كلّ أوجاعه وآلامه
A+   A-
ها قد رحل من دون سابق إنذار. رفع معه كلّ أوجاعه وآلامه، وحمل في زاده سعادتنا، فرحنا وأجزاء من أرواحنا؛ كيف لا ونحن فلذة كبده ووتين قلبه؟!
فعل ذلك فجأة كيلا تنسكب الألام والشجون علينا، ولا ينشغل البال ولا نضطرب همّاً، وغمّاً، وقلقاً عليه في تأمين تكاليف الطبابة العالية الثمن في هذه الأيام؛ وكأنّه يقول لنا: "كفاكم اهتماماً وعناية بي على مرّ السنين. لكنّه لم يعلم أنّ رحيله كان أكثر إيلاماً بملايين المرّات من الاعتناء والاكتراث بمداوته. ولم يدرك أنه كان هو الدواء الشافي لروحنا، والقوة النارية لمواجهة مصاعبنا في إرشاده ورأيه الحكيم لنا وفي نثر محبته علينا. قد كنّا كالفراخ المطمئنة ننام تحت جناحيه، نشعر بالأمان والسلام، وننعم بدفء قلبه والسكينة والطمأنينة.
والدي الحبيب
لقد كنت وستبقى في روحنا للأبد معلّماً صالحاً في هذه الحياة، ورسولاً للخير والمحبة في أعماقنا، ونارَ الأمل في لحظات اليأس البارد، ونور الإيمان في ظلمات هذا العالم الملحد الضّالّ، وبساط الأحلام الجميلة في حياتنا، ومستقبل أولادنا، وترانيم الفرح والبهجة في قيثارة عمرنا. والآن، بعد رحيلك أصبحت ملاكنا ورفيقنا الدائم، تظلّلنا بروحك من دون أن نراك، ولكننا نفتقد كثيراً لجسدك، لوجهك، لابتسامتك، لنظرات عينيك، وللمسة الحنان من كفّ يدك!
أبي يا حبيب قلبنا
لقد غادرتنا ولم تفارقنا. هجرتنا ولم تبتعد عنا. حجبت وجهك عن أعيننا ومكثت في أفئدتنا للأبد. في ربوعك الآن، هناك في السموات، حفرت روحي بدموعي الحارقة، وبصلاتي الآمنة، مسكناً جميلاً لبناتي، ولأطفالي الغالين، بعدما رحلوا في الأمس من بين ضلوعي واستقرّوا في ملكوت ربي العظيم، فغدوا شعاعاً لا ينطفئ في ليل العمر الحالك.
الآن، أراهم في قلبي، وأشعر بسعادتهم مبتهجين مسرورين بلقائك، وها هم يتراقصون حولك، يمسكون يدك بغبطة وانشراح وشوق عظيم إليك! كيف لا وأنت جدّهم الطيّب الأحبّ إليهم. احضنهم يا أبي، وشدّ عليهم قليلاً، ليسمعوا نبضات قلبي في أعماقك تخفق على صدورهم وقلوبهم كثيراً، فيشعروا بدفء شفاهي وحرارة حبي على وجوههم؛ وقل لهم كم أن إيماني بهم وحبّي لهم عظيم، وكم أنّ حنيني إليهم وشوقي لهم كبير يتخطّى كلّ مجرات هذا الكون!
أنت بأمان يا والدي الحنون الآن، في كنف الله، مع أحفادك وأحبائك، وقد انتهيت من مسيرة العذاب والألم. أشرق علينا روحك دوماً، وظلّلنا بصلاتك وتضرّعاتك إلى ربنا وأمّنا العذراء لتحمينا وتحرسنا من كلّ سوء.
يا نبع الحنان لا تنسانا أبداً... نحبك.


الكلمات الدالة

مواضيع ذات صلة

2/21/2023 8:25:00 AM
5/23/2022 7:42:00 AM
إعلان

الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/22/2024 3:23:00 AM
المنطقة وسط أجواء أو تفاعلات حربية مع هوكشتاين ومن دونه، لذا ليس في جعبته ما يعطيه للبنان، كما ليس لأي أحد ما يعطيه للفلسطينيين في هذه الظروف والمعطيات.

اقرأ في النهار Premium