تصادف في مثل هذه الأيّام الذكرى العشرون لغزو العراق واحتلاله. ففي عام ٢٠٠٣ كانت الولايات المتّحدة وحلفاؤها يبسطون سيطرتهم على بغداد وكامل أراضي العراق. لقد اندفعت الدبابات الأميركية في عمق الصحراء العراقية، والوقود الذي يحركها، هو أكاذيب أسلحة الدمار الشامل، وذلك الأنبوب العجيب، الذي لوّح به كولن باول أمام مجلس الأمن. ما فعلته الطائرات المغيرة، هو إلقاء آلاف الأطنان من القنابل فوق رؤوس العراقيين. وما فعلته الأرتال الغازية، هو اتّخاذها مساراً صحراوياً (خارج المدن)، وصلت من خلاله بغداد في فترة قياسيّة. ثمّ اقتُحِمت بغداد بسرعة، لم يتوقّعها، أشد الأميركيين تفاؤلاً.
عشرون عاماً على غزو العراق، وثمّة أسئلة مُحيّرة - عُمرها من عُمر الغزو - ما زلنا نبحث لها عن إجابات شافية ومقنعة. أوّلاً، لماذا سقطت دفاعات بغداد بهذه السرعة ؟ هل تكمن المشكلة، في الخطّة، التي وضعها الحرس الجمهوريّ للدفاع عن بغداد؟ أم في سوء تطبيق، هذه الخطّة، على الأرض؟ هل انهارت القطعات العراقيّة المدافعة بسبب انهيار معنويات مقاتليها؟ أم بسبب فداحة خسائرها، وشدّة ضراوة الغارات الجوية المعادية؟
وفي ما يتعلّق بدور الضبّاط في الكارثة التي حلّت، فهل أسهم تضارب المسؤوليات والصلاحيات بين الضباط العراقيين (جيش وحرس جمهوريّ) في حدوث السقوط المروّع لبغداد؟ وهل حدثت خيانة أو تواطؤ من قبل بعض الضباط؟ هناك من يؤكّد نجاح المخابرات الغربية في استمالة بعض الضبّاط العراقيين وتحييدهم عن القتال، وهناك من ينفي ذلك الأمر قطعاً، كما الفريق رعد الحمداني في كتابه (قبل أن يغادرنا التاريخ).
بالنسبة إلى معركة مطار بغداد، ما هي الأرقام الحقيقية لخسائر الجيش الأميركيّ في هذه المعركة؟ هل فعلاً تكبّد مئات القتلى؟ وما هو نوع السلاح المُحرّم الذي استخدمه الأميركيّون في المعركة؟ بحسب بعض التقارير والشهادات، فإنّ ذلك السلاح، كان يحيل الجنود العراقيين (الجالسين داخل الدروع) إلى جثث متحجّرة متفحّمة، وهو على الأغلب نوعاً من الأسلحة المشعّة أو اليورانيوم.
وماذا عن مصير من تبقّى من المتطوّعين العرب بعد سقوط بغداد؟ هل فعلاً تعرّضوا لسوء المعاملة وضاقت عليهم الأرض بما رحبت؟ هناك روايات تدّعي بأنّ العراقيين أساؤوا معاملة أولئك المتطوّعين، وأنّهم قاموا بمطاردتهم، وملاحقتهم، وإيذائهم، وتسليم بعضهم للأميركيّين.
ما هو موقف إيران الحقيقي من الغزو؟ هل وقفت فعلاً على الحياد مثلما بدا للعلن؟ أم أنّها تآمرت في الخفاء، وبلورت تفاهمات سرّية، مع الأميركيّين، ومع حلفائها العقائديّين الذين جاؤوا إلى بغداد على ظهور الدبابات؟ لقد كانت مجازفة كبرى أن تقبل إيران بغزو العراق، فذلك الغزو يُتمّم حصارها من كلّ جانب، ويطوّقها بالقوات الأميركيّة وحلفائها. لكن لربما حصلت طهران على تطمينات بتحييدها، وإعطائها حصتها من كعكة العراق.
مضى عشرون عاماً على غزو العراق، وقد يأتي عشرون عاماً أيضاً، وهذه الأسئلة، مُعلّقة، بلا أجوبة. فالعراق الذي أغرقه الاحتلال في الفوضى والدمار، لم يُقتل فيه البشر والحجر والشجر فحسب، بل قُتِل فيه المنطق، وقُتِلت فيه الحقيقة.