رسّخت زيارة بوتين الأخيرة لبيلاروسيا التعاون العسكريّ المطّرد بين البلدين، ممّا يؤشّر فعلياً إلى أن روسيا البيضاء قد تكون مضطرة إلى التحرّك عسكرياً في شمال أوكرانيا في حالة تدخل الجيش البولندي بموافقة أميركية - بريطانية ضمنيّة من دون غطاء رسميّ من الناتو، لأن جناحه الغربي (ألمانيا وفرنسا تحديداً) لا يستطيع مواجهة الروس، بسبب زيادة مشكلاته الطاقويّة والغذائية والمعيشية وبالتالي السياسية؛ وما تصريح الرئيس بوتين بأن روسيا الاتحادية لم تبدأ حربها جدياً في أوكرانيا بعد، وحشدها لقوات احتياطية، بعد الانتصارات التي حققتها شرقاً وجنوباً، ليست إلا تعبيراً عن نية توسيع الحملة أقلّه حتى نهر الدنيبر، الذي يمرّ في العاصمة كييف للسيطرة على مقاطعات ميكولايف وزابوريتسزيا جنوباً، جيتومير ودنيبروبتروفسك وسطاً، وجزء من خاركيف شمالاً، ... فالروس قلقون جداً من وتيرة تسليح نظام زيلنسكي كميّاً ونوعيّاً، ومن تدريبه على استعمال السلاح الغربي بشكل فعّال بحلول أواسط الخريف المقبل؛ لذا فهم يكثفون عمليّاتهم لإخضاع القدر الأكبر من أراضي أوكرانيا، لأن المواجهة هي حالياً لصالحهم، خصوصاً بعد انقلاب المعطيات الجيواستراتيجية العالمية جذرياً منذ ٢٤ شباط الفائت التي وصلت إلى نقطة اللاعودة...
من هنا فلم يتبقَّ أمام الغرب ربما إلا تحريك قوات بولندية (مموّهة مدنيّاً) من خلف الستار لتجنب صدام مباشر مع روسيا النووية، ويكون هذا بطلب رسميّ صوريّ من سلطات كييف للتوغّل في غرب أوكرانيا أبعد ما أمكن، وبدعم لوجستي -إعلامي من دول البلطيق (ليتوانيا، لاتفيا وأستونيا) تحت شعار المحافظة على الديموقراطية، والدعم البولندي الشرعي مقابل الغزو الروسي الوحشي والأمن الحيوي لبولندا والبلطيق والغرب الأطلسي مقابل الأمن الحيوي الروسيّ... فلكلّ هذا تحديداً يبرز احتمال قيام قسم كبير من الأوكران في الشرق بمطالبة زيلنسكي بتغيير نهجه السياسيّ أو التنحّي عن الحكم، تزامناً – طبعاً - مع مطالبة معظمهم في غرب أوكرانيا برفض التدخّل البولندي واعتباره احتلالاً، موقظين بذلك الصراع التاريخيّ الدمويّ بين البلدين في غاليسيا الشرقية وغيرها، ممّا سيعقّد الأمور أكثر ويفتح باب نزاعات جديدة على شاكلة حرب أهلية أوكرانية في غربها وشرقها، تكون في بدايتها مستترة وغير واضحة المعالم، في أمّة ظاهرها موحّد، لكنّها تختمر في باطنها مقوّمات التقسيم الجغرافيّ والثقافي والانتمائي - الهوياتي.