قال الفتى:
يا سيدي لي عندك مسألة... ضاق صدري ولا أعلم هل اغتربتُ عني أم كنت أنا الغريب في هذا العالم القاسي؟ يا سيدي هل ارتفع الحب والجمال، هل تلاشى الخير وتبدَّل الحال؟.... أبحث عن أهل المقامات العلى ولا أجدها هل توارى أهلها وغادروا، ظننت أني ملاقيهم لعلّي آنس بهم.... هل أنا الغريب في هذا العالم وحدي أم هناك غرباء....؟ وكيف السبيل إليهم؟ دُلني نذهب بعيدًا في جزيرة خالية بعيدة بعد المشرق من المغرب؟
قال السيد:
هوّن عليك يا فتى؛ وأنصِت إليَّ بقلبك، وليتسع صدرك برحمات الله... اعلم أن الحب والخير والجمال باقية ببقاء الخالق، فهي إحدى أنغام الكون وجوهر وجوده ونظامه، ولمَ الادعاء بفنائها،؟ يا فتى لن ترى إلا بنور روحك وعين قلبك، والظمأ يربك صاحبه ويجعله هزيلاً ضعيفاً لا يقوى على شيء، وإن مثلَ الثلاثة كمثل النهر الجاري عليك، أن تـغترف منه وترتوي، وإن ارتويت زال ظمؤك وهدأت روحك واطمأن قلبك ومن ذاق عرف.
أما أمر أهل المقام فهم أهل السرّ يُخفى عن الناس مقامهم وأحوالهم. واعلم أنهم بين العباد لن ترى أنوارهم إلا إذا ذقت وعرفت وانجلى الظمأ وستراهم حينها بعين قلبك، وهم في أنس دائم بمن يعرفهم وعرفوه إلا يعلم السرّ وأخفى.
أما عن أمر الجزيرة والاعتزال... لكل منا حال وأحوال وأنت يا فتى مقامك لن يرتقي إلا بين الخلائق، حين تكون طبيب روحهم، وجابر كسر قلوبهم، كن أنت النور بمحبتك. وكن أنت الخير ترفقُ بيدك على أكتافهم، وتزيح عنهم ما استطعت من همومهم. كن أنت الجمال بنور صبرك على اختلاف أحوالهم معك وعداء نفوسهم الضعيفة، حينها ربما تذوق وتعرف أن الحب والخير والجمال فيك... وحينها ستعلم أن وسط الناس هناك ألف وألف أنيس ودرويش، والأرض كلها جزيرتك...!
وإن أردت، فأجعل العلم رفيقًا؛ وليكن قلبك دليلاً !
يتبع...