أمور عدّة دفعت بالحركة الأَدبية إِلى التراجع في الوطن العربي، ممّا جعل الجمهور الأدبيّ يتقلّص، إِن لم نقل انحسر تماماً، حيث نلمح في المشاركات الأدبية قلّة قليلة دفعهم حبّ الشعر والأَدب إلى الحضور - وأقول هذا خوفاً من المبالغة - وأمّا سواهم فحضوره بدافع الخجل من المشارك الذي تربطه به علاقة قرابة أو صداقة، أو لهدف خاصّ يرنو إِليه.
إنّ تلاشي الكلمة الحرّة في ظلّ الرقابة الحكومِيّة، التي جنّدت وسائلها الإعلاميّة ومؤسّساتها لخدمة سياستها وأَفكارها الممنهجة، أضعفت دور المثقّف والشاعر الحقيقيّ.
ولا يمكن تجاهل حالة عدم الاستقرار الأمنيّ والضغوطات التي يعاني المواطن منها، وبالتحديد الضغوطات الاقتصَادية، التي تقف عائقاً
في وجه الشاعر مشاركاً أو حاضراً، وتمنعه من المساهمة التي يرغب بها.
وفي الوقت الذي يفترض أن يخدم التقدّم التكنولوجيّ الجوّ الثقافي، نرى في ظلّ كثرة الشعراء والمستشعرين واستسهال عملية النشر والسرقات الأَدبيّة، غدا كلّ من هبّ ودبّ، يكتب ويصدر دون حساب أو رقيب، سواء امتلك موهبة الكتابة أم لا، وسواء أَدرك مقوّماتها أَم لا، وهذا ما أَفقدنا المصداقية في التعامل مع هذا الجانب المهمّ روحيّاً وتاريخيّاً.
ثم تأتي طبيعة المجتمع العربيّ القائمة على المحاباة تارة، وعلى التقريع تارة أُخرى لتغيب المقاييس النقدية الدقيقة والموضوعية، فيزداد الطين بلّة.
وإذا كانت الملتقيات والمنتديات الأَدبية في ظاهرها خدمة وانطلاقة بنّاءة للأدب، إلّا أَنّ سياستها الترويجية، وأحياناً التجارية، وإدارتها من قبل أَشخاص دخلاء، ليس لديهم باع في هذا المجال، قوّض المصداقية أكثر فأكثر.
وقارئ هذه السطور سيتساءل عن الحلّ وعن طرق الصلاح، وسيطلبون أن نشعل شمعة، فلأولئك أقول: إن الحلّ ليس بمنحى فردي، حيث ليس على المثقف الحقيقي أَن يتحمّل أَبعاد رسالته وتداعياتها فحسب، إنّما لا بدّ من تدخّل عام، مؤسّساتي، يشجّع الكلمة الحرّة، ويولي الأهمية اللازمة لنخبة هي داعمة لحركة التطوّر المجتمعية.
لا بدّ من ترغيب ماديّ مستحقّ وفعليّ، ومعنويّ يرفع مستوى صاحب الفكر والإبداع، بدل قلب الآية واستثمار العامّة لمحاربتهم بالاستهزاء تارة، والتجاهل تارة أخرى.
للمؤسسات الإِعلامية والتعليمية دور في هذا، وللتربية الواعية أكبر الأثر.
فهل يستعيد الشعر واقعه، والشاعر احترامه كما كان؟ أم أنّ وسائل التواصل والإعلام المؤسّساتيّ يقدّم الغاية، وما لزمن مضى عودة!
كيف يتمّ ذلك؟ ونحن في وضع عربِي قلق؟ كيف يتمّ ذلك ونحن محجمون باحثون عن أبسط الاحتياجات اليومية.