عندما قررت فتح حساب مصرفيّ لإيداع مبلغ من المال في عهدة إدارة أحد المصارف في لبنان عوضاً عن شراء خزنة حديدية لحفظه نقداً فيها، في إحدى زوايا منزلي، كان القصد من ذلك محو الشعور بالقلق والخوف على سرقتها، وقد اعتمد القرار، الذي لجأت إليه الأغلبية العظمى من المودعين، إذ كان قراراً بديهياً لا يستدعي أيّ تساؤل، أو شك، في حفظ الأمانة لدى مؤسّسة مصرفية عريقة!
لم أفكّر يوماً في أن سوء الأمانة ينطبق على مودع عاديّ مثلي أنا، من عامة الناس، من دون تطبيقه على المودعين من مختلسي المال العام والخاصّ، والمرتشين، ومبيّضي أموال التهريب والمخدرات، وأصحاب النفوذ السياسي، والحزبي، والقبلي؛ هؤلاء المتسلّطين على النظام الاقتصادي بأكمله!
أمضيت أكثر من خمسة عقود متواصلة في العمل الحثيث، وفي حرمان نفسي وعائلتي من حياة البذخ والرفاهية الكريمة، حتى أوفر ضمانة ماليّة نقديّة تحفظ كرامة، وعيش، وصحة عائلتي ونفسي!
لم يخطر في بالي يوماً أن تصل بي أمور العوز والحاجة إلى هذا الدرك من التوسّل الشهري إلى المصرف الذي حدّد لي، بكلّ وقاحة، الكمية التي يُمكنني الحصول عليها، وهي لا تُثري ولا تغني من جوع؛ لا بل تجعلني أسير على حافة البقاء الوجودي مع عائلتي العزيزة، وبحذر وخوف، وذعر دائمين!
يدّعي المصرف أنه يطبق تعاميم المصرف المركزي وأنه بريء من دم هذا الصديق، الذي هو المودع الآدمي الشريف!
بأيّ نظام اقتصادي حرّ يحقّ لغير المودع التصرّف بماله، ومن أذن للمصرف المركزي وللمصارف بوضع اليد عليه، وقضمه شهرياً، إلى حين نضوبه؟!
من أذن للمصرف بحسم ٣٧٥ دولاراً أميركياً من حسابي مقابل ثلاثة ملايين ليرة، وهو مبلغ يساوي أقلّ من ٢٠% من قيمته الشرائية؟
إنّه على المصارف القيام بـ"الواجب المطلق"، الذي هو تسديد مبالغ نقديّة للمودعين، من دون الرجوع إلى تعاميم مصرف لبنان الجائرة، وحسم أجورهم المشروعة، من دون المساس بقيمة أموال المودع الشرائيّة!
وإذا ارتأى المصرف المركزي توزيع، أو إمداد المحتاجين بالدولار النقديّ على منصة مستقلّة عن أموال المودعين، وعدم التسلّط على جنى عمر الشرفاء الأوفياء الذين يُريدون البقاء في لبنان، والعيش فيه بكرامة وعافية، فهذا أمر لا ينتقد أحدٌ عليه!
وأختم مقالي هذا المتواضع بإلغاء كلّ "المنصات"، بدءاً من منصة المصرف المركزي التي أهلكت كلّ المودعين، وصولاً إلى منصّة أسعار الأدوية لدى وزارة الصحة التي سلبت كلّ فلس من جيوب المرضى المعوزين المساكين!
لا يمكن أن يستمر الوضع الإنساني المعيشي والعلاجي المأسويّ على ما هو عليه الآن، ويجب على المتضررين، من مودعين ومرضى، القفز فوق الكلام والكتابة، والقيام بتضحيات وجوديّة سريعة، من أجل عائلاتهم!