لا يهمّ في أيّ عمر نغادر لبنان، ما دام الأهمّ أنه يبقى رفيقاً لنا في أيّ بقعة من الأرض، وبالتحديد لدى المغترب اللبناني، الذي يحاول دائماً أن يخلق للوطن مكانة في الاغتراب. وهو حال همسة دياب فرحات، التي غادرت لبنان في عمر الـ12 سنة إلى كندا، ليكبر معها وبأفكارها. وفي عام 2018، أطلقت مهرجان Taste of the Middle East Toronto ـ فعالية خاصة بالفن والموسيقى والطعام. وفي دورته الخامسة هذه السنة، يسعى المهرجان على مدار 3 أيام (22 و23 و24 تموز 2022) أن يحافظ على رسالته في الدمج بين الشرق والغرب، من خلال الثقافة.
المهرجان يخفّف من قسوة الغربة
يحتفل مهرجان Taste of the Middle East Toronto هذه السنة بالفن والموسيقى والتراث العربي، من أجل تعزيز صلة الوصل بين الأشخاص، خاصة من جيل الشباب. ذلك كي "يكونوا فخورين بجذورهم العربية، كما بعاداتهم وتقاليدهم"، على حدّ قول همسة دياب فرحات. هي تؤمن بأنّ الإنسان عندما يشعر بالانتماء لوطنه، فهذا مهمّ جداً للمجتمع الذي يعيش فيه، وفي المقابل من الضروري لأولادنا أن يندمجوا في المجتمع ويقدّموا أكثر للمجتمع الكندي، "الأمر الذي يؤدّي إلى تداخل العادات والتقاليد العربية والأجنبية مع بعضها البعض". وتشدّد همسة كثيراً على إحياء صلة الوصل بين الشرق والغرب، خاصة وأنّها عانت من الصراع بين العادات العربية والكندية، إذ خلال فترة طويلة من حياتها كانت تعيش في كندا مع عائلتها في مدينة لا عرب فيها، ثم عندما تزوجت وعاشت في مدينة أخرى كان هناك سكّان من جنسيات عربية، فكانت تتمنى وتقول: "يا ريت أهلي قعدو بمنطقة فيها عرب، ولم أنسلخ عن عاداتي وتقاليدي". وهذا ما يُترجم اهتمام همسة بأن يكون المهرجان شرقياً ـ غربياً.
إنّ مثل هذه الفعاليات والمهرجانات تخفّف من قسوة الغربة على المغتربين، خاصة الذين يعيشون لوحدهم في الغربة بدون عائلتهم. كما تساهم في تقريب المسافات بين العرب المغتربين والقادمين الجُدد، وفي تحفيز الشباب لحضورها، متى جمعت بين العربي والغربي. وهنا تستشهد همسة بأولادها الذين لم تكن لديهم الرغبة بحضور مهرجانات عربية، ولكنهم يشاركون في هذه الفعالية التي تمزج الطابع العربي بالأجنبي، "لذلك اختيار الموسيقى والمشاركين وتنظيم البرنامج، مهمّ جداً".
همسة دياب: بدمّي الشرق الأوسط
وعلى الرغم من وجود بعض الجهات الرسمية والخاصة الداعمة لهذه الفعالية، إلاّ أنّ هناك صعوبات وتحديات مادية بالتحديد، يواجهها المهرجان. ولكن تسعى همسة في كل سنة إلى أن يكون الحضور كثيفاً، من أجل لفت الانتباه إليه أكثر بين المواطنين من جهة والإعلام من جهة ثانية، ما يساهم في جذب دعم الدولة الكندية أيضاً. لذلك اختارت هذه السنة أن تقيمه في Nathan Phillips Square بمدينة تورونتو، وهي أهم وأكبر ساحة في كندا، لجذب أكبر عدد من الجمهور. هذا إلى جانب البرامج المنوّعة التي تمتدّ على مدار الأيام الثلاثة، يتخلّلها عروض فنية يشارك فيها أكثر من 50 فناناً محلّياً (في الغناء، الرقص، الدبكة، فرق موسيقية)، ومن الفنانين المشاركين: مغني الراب الأرمني الأصل Super Sako والفنان اللبناني الكندي Fadi KOD(ومؤسس فرقة King of Drums) ؛ هذا إلى جانب الزيارات لشخصيات رسمية، ومذاقات الطعام، بحضور ضيف خاص من لبنان أنطوني رحيّل، هو طبيب أسنان ومدوّن خبير طعام. ومن الفعاليات أيضاً ضمن المهرجان احتفال خاص Celebrate Egypt، برعاية Canadian Egyptian Heritage Association وهم شركاء بالمهرجان.
تؤمن همسة دياب فرحات، التي تخصّصت في مجال التسويق والإعلان، وتعمل في مجال تنظيم الفعاليات، باستمرارية المهرجان، و"تحكي في مدينة تورونتو وغيرها". ولكن "أحتاج إلى أن يساعدني بعض المهتمّين بهذا النوع من الفعاليات أيضاً، من sponsors ومتطوّعين ودعم الجاليات وروّاد الأعمال". هذا المهرجان، الذي هو احتفال ليس فقط بالتراث وإنما أيضاً بجمع الناس مهما كان دينهم أو عرقهم أو هويتهم الجنسية، هو جزء من جذور همسة التي لم تتخلّ عن عاداتها وتقاليدها وحبّها للبنان، فـ "بدمّي لبنان والشرق الأوسط".