الرياح عاتية، وأمواج بحاري عالية مضطربة. سفينة الحكمة تتكسر على أقدام صخور آلامي وأوجاعي. روحي تتقاذفها أعاصير الأيام، وترتطم حيناً بحطام الآمال المنكسرة، وحيناً آخر بوحل الأحلام الميتة المدفونة في مستنقعات المجتمعات. ذاك النسر في فضائي قد فقد جناحيه في معارك البقاء. أصبح مخلوقاً غريباً يتنفس فقط، وينتظر شبح الموت ليرحل من تلك اللحظات المهينة اليائسة. كيف لا؟ فهو لم يعد نسر العالم، وقبلة نظر من أحبّه يوماً، ومن كان يترقّب رؤيته بفرح دوماً.
الكاتب في أعماقي مصاب بحرابٍ وخناجر الإهمال ممّن أهداه قلم الحياة، فجعله سيّد الكلمة ورسول المشاعر ومشعل الحب في الأرض.
عندما تكون جثةً هامدةً، ويأتيك نور الحياة من قلب آمن فيغسل عنك غبار اللحد والبؤس، وتغدو أميراً في روحه، يجعلك تتحدّى الكون وتنجح لأنه ينبض في عروقك وطموحك وأمانيك. قد بنى معك منزلاً في بقاع الشّمس لروحٍ وُلدت بين نظرات جسدين التقيا، وأصبحت واحدة لكليهما. حينما تكون في هذه الحال، وفجأة يلفّ أنفاسك وفؤادك برداء الإهمال وبدجى الهروب والغربة، عندها تتوقّف كلّ خليّة في جسدك وروحك، وتصبح أمام ذهول الحدث صنماً جامداً لا يتحرّك فيه أيّ أمر إلا شلال الدموع الحارقة. وكم تتوسّل الموت والنهاية المجهولة بدل أن تحيا تلك الساعات أو أن تعود كما كنت جثة هامدة في مستنقع شهوات هذا العالم.
فيا أيّها النّسر في أعماقي استلّ سيف الكرامة، واغرزه في كلّ حياة مذلولة فيّ، ولنكن شهداء العزة والحبّ الوجداني وعنفوان الحقيقة لمشاعر الإنسان؛ وليكتب التاريخ على صخرة الحياة للأجيال المقبلة: "كان ميتا، وعاش بروحها، ورحل من العالم وهو يردّد ما تسمعه كلّ الأرواح الطاهرة في فضاء قلوبهم: أنا هو وهو أنا...