أخبرني زميل العمل أنه أخطأ في اسم زوجته وناداها باسمي!
تعجبت من ذلك الآخر المزدحمة حياته بالنساء، كيف لا يخطئ في أسمائهن!؟ وعندما سألته، عرفت أنه يقول كلمة "حبيبتي" لكل منهن، وهكذا لا يخطئ أبدًا، بل يأسر قلوبهن أكثر.
ألا تجده شيئًا مملاً أن تتشابه كلّ نسائك في الطيبة والوداعة، ورقة الإحساس؟ ألم تحاول البحث عن المتمرّدة، ولو ستمارس تمرّدها عليك؟ أم تخشى أن يكشف هذا التمرّد قدرتك الزائفة على الخداع!؟
تناول الهاتف الذي لا يكفّ عن الرنين، وأجاب بنفس الكلمات، تحدّثت إليه زوجته المستقبليّة - كما أخبرني - مع وعد بتناول الغذاء معها. رفع سماعة التليفون على مكتبي مستأذنًا في إجراء مكالمة، لم أركّز كثيرًا في حديثه، تناهى إلى سمعي بضع كلمات عن الاتفاق على تناول الإفطار بعد نصف ساعة. أنهى حديثه بكلمة "حبيبتي"، ونظر إليّ مبتسمًا، قائلًا إن زوجته مسافرة، وهو لا يستغني عن وجود امرأة في حياته، يشاركها كلّ دقيقة من يومه، فالرجل ليس لديه ما يفرغ فيه مخزونه العاطفيّ سوى النساء، بينما المرأة لديها بدائل عدّة، فهي تهتمّ بالأبناء والآباء والأمّهات والصديقات، وضحك بخبث "والأصدقاء"، أرأيتِ! نحن مجبرون على التعامل بأن نكون جزءًا من حياة المرأة، بينما هي كلّ حياتنا. قلت له: لكن حياتك ليس بها امرأة واحدة، بل نساء بمواقيت الصباح والظهيرة والمساء، أجاب لأن كلّاً منهن تعطيني جزءًا من يومها، فماذا أنا بفاعلٍ في باقي اليوم!
بدوتُ شاردة الذهن، بينما أُدقق النظر في ملامحه وهيئته، وهو مغلّف بدخان قهوتي، يبدو كشبح مغترّ بغموضه، مبتسمًا تلك الابتسامة التي تجذب النساء، مغمضًا نصف عين ليكتمل تأثيره على القلوب الجائعة. تناول فنجان القهوة من أمامي، وضع فمه على موضع فمي، أصابه أحمر الشفاه بلون وطعم الفراولة، ناولته منديلًا، أخذه ومسح شفتيه برفق وبطء، وهو مثبت نظره عليّ بابتسامة، قائلًا ما أشهى طعم ورائحة الفراولة الطازجة. سألني أن نتناول الشاي في السادسة، وكأنما يحتفل في قرارة نفسه بفوزٍ جديد، بدا لي كمراهق مسكين يلهو بالنبلة، جدير بالشفقة.
أعدتُ له السؤال حول موعد الغذاء مع زوجته المرتقبة. لم يخيب ظني في الإجابة، فردّ أن موعدي سيكون بعد موعد الغذاء بوقتٍ كافٍ. قاطعنا تليفونه الشخصي برنين مزعج، تلوّن وجهه بعد أقلّ من دقيقة من المكالمة التي أنهاها سريعًا، أخبرني أن عليه الذهاب للمنزل، فزوجته عادت وقد أضاعت المفتاح.
اقتربتُ منه قبل أن يخرج من المكتب، همست في أذنه "لا تنسْ موعدنا في السادسة .. آه .. ولا تنس منديلك"، ابتسم بسعادة.
عدُت أجلس على المكتب، ألهو بفنجان القهوة الذي تشاركناه، وقد اختفت من حافته تمامًا ألوان أحمر الشفاه!