النهار

الثروة الحقيقيّة
المصدر: النهار - عبد الله حمشو
الثروة الحقيقيّة
روى الأبشيهيُّ في المُستطرَف أنّ فأرةَ البيوت رأت فأرةَ الصحراء في شدةٍ ومحنةٍ
A+   A-
.1 روى الأبشيهيُّ في المُستطرَف أنّ فأرةَ البيوت رأت فأرةَ الصحراء في شدةٍ ومحنةٍ، فقالت لها: ما تصنعين ههنا؟ اذهبي معي إلى البيوت التي فيها أنواع النعيم
والخصب. فذهبت معها وإذا صاحب البيت الذي كانت تسكنه قد هيّأَ الرصد؛ لَبِنةً تحتها شحمة، فاقتحمت لتأخذ الشحمة فوقعت عليها اللبنة فحطمتها فهربت الفأرة البرية، وهزت رأسها مُتعجِّبةً وقالت: أرى نعمةً كثيرةً وبلاءً شديداً، ألَا وإنّ العافيةَ والفقرَ أحَبُّ إليَّ من غِنىً يكون فيه الموت.
.2 مُخطئٌ مَن يظنّ النعيمَ لباساً فاخراً، أو طعاماً نادراً، أو مالاً وافراً... ومَن يؤمن بهذه الأسطورة الحديثة ما عليه إلا أن يتجول في أروقة المستشفيات! فالنعيمُ
الحقيقيُّ هو ما قال عليٌّ بنُ أبي طالبٍ – كرّمَ اللهُ وجهَه – في قوله تعالى) ثم لتُسئلُنَّ يومئذٍ عن النّعيم): هو الأمن، والصحة، والعافية. وماذا يغني لباس
الحرير عن الإنسان إذا ألبسَهُ الله لباس الخوف!؟
.3 لم تكن سعادة الإنسان يوماً بما يملك، وما ينبغي لها! وحين يقرن المرءُ راحةَ نفسِهِ وسكينةِ عيشِهِ بما يملك فهو في حقيقة الأمر لا يملك شيئاً، بل هو المملوك
ولو كان يملك خزائن قارون والأنهار تجري من تحته.
فالغني الذي لا تؤثر فيه رؤية الصبيةِ على ناصية الطريق يبيعون المناديل أو الماء البارد في لظى الظهيرة، فإنّه مهما نمّى مالَهُ سيبور، لأنه لا يدرك حقيقة أنه "ما نقص مالٌ من صدقة".
.4 البيت وافرُ الخيرات يستقطب الفئران! وكذا مَثَلُ بلادنا. وهل تداعت علينا الأممُ كما تداعى الأكَلَةُ إلى قصعتِها إلا بسبب الخير الوفير والثروة العظيمة التي تتربعُ عليها أراضينا!؟ بيد أننا لم نتعلم بعد كيف نصنع الرصد للقضاء على الفئران.
.5 القضيةُ باختصار أنه متى دخل الرضا إلى النفوس شبعت المَعِدُ، وقد يحدث أن يكون الفَمُ يمضغ والعين تشتهي فتحسد! فجائعُ النفسِ لا يشبع لو وضعوا الدنيا في فِيهِ. والثروات غير المحمية تجلب الفئران؛ فلا مناص من تعلم كيفية صناعة الفخاخ لحماية ثروات بلادنا وخيراتها من فكوك الفئران/اللصوص الأجانب. ولكن ما عسى المرء يفعل إذا كان "دود الخل منه وفيه"!؟
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium