نفسي حزينة حتى الصمت المهيب. فهناك في أعماقي أنين، وصراخ الأوجاع يدوّي بين ضلوعي وفي وهاد فكري السحيق. هناك ترتعد نفسي من الألم ويبكي قلبي ذارفاً دموعاً من ضباب تحجب مشهد العذاب والحزن عن العالم، وفي سكون قاتل يغلّف حنايا روحي ويمنع صدى التأوّه ومخاض الوجع من الولوج الى العلن بين أنظار المحيطين بي والبعيدين عنّي، وعقلي راضٍ تماماً عن هذا العزل التام، لأنّه مدرك أنّ البوح وسماع عويل النفس وجلبة الأنين لن تجدي نفعاً، ولن يفهمها أحد بل ولن يهتمّ لها أحد إلّا بالتهكّم والازدراء من وضعي للحظات، وبعد ذلك ستُرمى كلّ آلامي في مستوعب النسيان.
هو الأمر الواقع لحال روح انغمست في مستنقع الكرب والهموم، فتمرّغت بوحل الأقدار، ولكنّها تتمسّك بخشبة الصبر الصامت مرتدية سترة الإيمان الصلب. ومن مقلة بصيرتها تطلق نظرة الأمل والحلم لنهاية سعيدة آمنة. وكما قال العظيم جبران خليل جبران: "الحياة تنبثق من داخل الإنسان وليس ممّن يحيطون به ". لذلك عليّ أن أسبح لوحدي نحو برّ السلام والأمان.
يمرّ العمر وأنا أحيا أحياناً بالجسد فقط، وبالروح والجسد أحياناً أخرى. فالاستمرار على قيد الحياة لا يعني أن نتنفّس الهواء فحسب، بل أن نتنشّق نفحات من أثير السماء وبعضاً من إكسير الأحلام، لكي نشعر بقيمة الوجود في هذا الكون. نفسي المكتئبة يغزوها الألم في كلتا المرحلتين، هو رفيقها الدائم الذي لا يملّ من صراخي الصامت، ولا يكلّ من تهميش العمر وكأنّه مصيري وقدري الى آخر العمر. ولكن ما لا يسمعه البشر تنصت إليه السموات جيدّاً، وتحمله في أعماقها الى أن يأتي الوقت المناسب لتبعث نور الأمل وتنثر الراحة والسلام في القلب أضعاف ما تحمّلناه من بؤس ووجع ولو بعد حين. نعم هي قوّتي في البقاء ومواجهة المصاعب وتحقيق آمالنا وأحلامنا.