ما بين النظرة القاتلة والنظرة المنقذة هناك الكثير من المعاني التي تؤثّر في الإنسان ويمكن لهذا التأثير أن يغيّر مجرى حياة بأكملها.
هناك نظرة سخرية، نظرة غضب، نظرة شفقة، نظرة خجل، نظرة حنان، نظرة حب، نظرة ارتباك، نظرة إصرار، نظرة خوف، نظرة ترجّي، نظرة اتّهام، نظرة تمنّي نظرة إمعان وانتباه، نظرة ترقّب، نظرة تسامح، نظرة الحيرة، النظرة العميقة، النظرة الحالمة، النظرة الفارغة وغيرها... لغة كاملة متكاملة منظّمة متعارف عليها من قبل الجماعة نتلقّفها ونتعلّم تأثيرها كما نتعلّم اللغة من خلال الممارسات اليومية وتنتقل بالإحساس وكأنها توارد أفكار.
في مقالة سابقة تكلّمت عن صوت الحرف وكيف رسم الإنسان لكل صوت يصدره حرفاً حفظناه مع الترداد ومن ثم جمع الحروف بكلمات للمساعدة على التعبير ثم جمع الكلمات بجمل... وتكلّمت عن إمكانية وضع أنفسنا مكان الإنسان قبل الكلمة أي في إمكانية افراغ الفكر من الكلمة وهي صعوبة كبيرة غير ممكن أن نستطيع إلى ذلك سبيل حيث نفكّر كلمة وحروف... كذلك النظرة هي لغة إيمائية في الفكر مرتبطة بالكلمة الصامتة القوية المعاني إذا أردنا تفسيرها كأن نقول فلاناً نظر إليّ نظرة عتب أو نظرة اشمئزاز... نستعمل الكلمة لنعبّر عن شعور وإحساس لفعل صامت ولكنه صمت مُدَوٍّ....
النظرة هي لغة بحد ذاتها آيلة للانقراض مع انخفاض فرص التلاقي بين البشر، حيث إنها تشكّل كما الكلمة توازناً في العلاقات الإنسانية رغم أن بعضها قاسٍ ونتمنّى تفاديه، إلّا أنه في بعض الأحيان عنده إيجابية ما يحفّز الإنسان على أن يتقدّم في مجالِ ما. كما أن بعضها المحبّب والتي نُسعد بتلقّيها إلّا أنها أحياناً تضرّ بمصلحة الإنسان ولا تكون مفيدة لمساره في المستقبل.
الإنسان حسّاس جداً أمام مفهوم تلك النظرات التي تؤثّر فيه بشكل متفاوت بمقدار ثقته بنفسه وامكانيته بالتعامل معها العائد إلى طريقة نشأته وتربيته وأيضاً تأثير طبيعته الإنسانية البيولوجية حيث الهرمونات تختلف من شخص إلى آخر، لذا يمكن أن تخيفك نظرة الآخرين وتزعزع استقرارك وتمنعك من أن تكون على طبيعتك بالكامل بل تدفعك إلى الانزواء. الخوف من الحكم هو آلية نفسية طبيعية تمامًا لأننا لا نستطيع العيش بمفردنا.
كلما انخفضت ثقتي بنفسي، كلما زاد النظر إلى نظرة الآخرين على أنها خطيرة أو شديدة. والعكس صحيح. وهذا يلعب دوراً أساسياً في قراءة النظرة، نظرة الآخرين لها تأثير حاسم على الطريقة التي ندرك بها أنفسنا. إنه يؤثر على حكمنا، ويمكن أن يشوهه إذا أعطيناه أهمية كبيرة. من الصعب أحيانًا افتراض ذلك، بل قد يكون مخيفًا خاصة إذا تكررت النظرة وكان فيها استمرارية المعنى مما يؤدي بالبعض أحياناً إلى الانزواء التام حتى إلى أن يقدم على عمل غير محبّب وهذا ما نسميّه بالنظرة القاتلة.
هذا يستدعي الانتباه إلى كيفية تربية أولادنا وزرع الثقة بنفوسهم لتكون سلاحاً يستطيعون من خلالها أن يتغلّبوا أو يتفاعلوا مع قراءة النظرة، تماماً كما قراءة الكلمة وتأثيرها، بطريقة نوعية لا تؤثّر كثيراً على مسار تطوّرهم في المجتمع.