إنّ الحشرية متى تمّ توظيفها بشكل صحيح، فهي نعمة. وهو حال شربل النجّار، الذي دفعته حشريته إلى الغوص في مجال الإلكترونيات والروبوت منذ الصغر، فأصبح مجال تخصّصه ونال عدداً من الجوائز في مسابقات خاصة هذا العالم. فضمّ إلى عالمه صديقه الروبوت "ناو" ليجمع ما بين النظري والتطبيقيّ، الأمر الذي دفعه أكثر إلى تشجيع إدراج مادة الروبوت في المناهج المدرسية في العالم العربي.
يتساءل شربل النجّار، "لماذا لا نسعى في العالم العربي أن نكون من المطوّرين للتكنولوجيا، سواء على صعيد الروبوت أو الذكاء الاصطناعي، وليس مجرّد مستخدمين لها؟". وانطلاقاً من تجربته الذاتية، فهو يرى أنّه من المهمّ أن يبدأ الطالب منذ الصغر بالتعرّف إلى هذا المجال، ويمكن أن يبدأ من عمر الــ 4 سنين في تعلّم البرمجة، وفي عمر الـ 6 سنين في تعلّم مواد خاصة بالروبوت. ويشدّد على أنّ كل طالب هو موهوب، و"99 في المئة من الطلاّب الذين قابلتهم منذ بداية عملي عام 2009 حتى اليوم، يحبّون العمل بأيديهم واكتشاف عالم الروبوت". ويضيف بأنّ أجمل ما في الأمر، هي السعادة التي تعتلي الطالب عندما ينتهي من إنجاز الروبوت ويبدأ بتشغيله.
الروبوت يفتح أفاق الإبداع عند الطالب
إنّ مثل هذه المادة تحتاج إلى جهوزية على عدة أصعدة، ويؤكّد شربل بأنّ المدارس الخاصة في معظم الدول العربية تمتلك "تجهيزات خرافية" من حيث البنى التحتية. ومع ذلك، هناك فقط 5 في المئة إلى 10 في المئة من الطلاّب الذين يستفيدون من تعلّم هذه المادة، لأنه مع الأسف ليس هناك كادر تعليمي كافٍ. مع العلم أنّه من المهمّ أن يتهيّأ الطالب على مقاعد الدراسة للدخول في سوق العمل، باعتبار أنّ عالم الروبوت والذكاء الاصطناعي هو المستقبل. هذا بالإضافة إلى الفوائد الناتجة عن إدراج هذه المادة في النظام التعليمي، كما يوضّح شربل، منها: تعزيز ثقة الطالب بذاته؛ مساعدته للانتقال من النظري إلى التطبيقي، فتصبح حينها المفاهيم أكثر وضوحاً؛ ربطها بعدة مواد تعليمية (علوم، رياضيات، تكنولوجيا، هندسة)؛ مساعدة الطالب على اكتساب مهارات جديدة (العمل الجماعي، البحث، القيادة)؛ منحه مجالاً أكبر للإبداع والابتكار وتقديم الحلول التي قد تغيب عن بال المدرّس نفسه؛ وهي أيضاً رياضة للعقل.
ولكن ماذا عن سلبيات هذا الموضوع، في وقت هناك دائماً تحذير من كثرة استخدام التلميذ للأجهزة الإلكترونية، والخوف من الإدمان على الشاشة؟ يشدّد شربل النجّار هنا على أهمية التوعية في البيت والمدرسة، على أن يتمّ استخدام الأجهزة بهدف التعلّم وليس التسلية فقط، على أن يتمّ رسم إطار لطريقة الاستخدام. "إنّ استخدام الطالب 60 دقيقة في الأسبوع، ولهدف تعليمي، لن يشكّل أيّ خطر".
الروبوت جزء مساعد لتطوير البشرية
إنّ أهمية الروبوت والذكاء الاصطناعي لا تنفي إشكالية بارزة: هل سيحلّ الروبوت محلّ الإنسان؟ من جهة يؤكّد شربل بأنّ بعض الوظائف ستختفي، ليحلّ الروبوت مكان الإنسان، "لأنّ الروبوت ببساطة لا يتعب ولا يملّ، لذلك هو على استعداد للقيام بالوظائف التي فيها تكرار". ولكن من جهة ثانية فهذا الأمر غير ممكن، لأنّ الروبوت وكل ما يرتبط بالذكاء الاصطناعي "هو اختراع العقل البشري. وطالما النية هي مساعدة الإنسان، فلا خطر إذاً على الإنسان والعقل البشري". وهذا ما يُبرز أهمية أن يكون الطالب جاهزاً لتطوير الروبوت، وأن يتواجد بقوة في سوق العمل.
وبالتالي لا داعي للخوف على موقع الإنسان من الروبوت، بل على العكس يجب النظر إليه كجزء مساعد لتطوير البشرية، وحتى عالم التكنولوجيا.
يؤمن شربل النجار بمقولة: "نحن لا نستعمل الطلاب لبناء الروبوت، بل نستخدمه لبناء مهاراتهم". فلننظر إذاً للجانب الإيجابي من الموضوع، على أمل أن تستثمر المدارس في التجهيزات التي لديها، وتكون المادة الروبوتية أكثر من مجرّد نشاط ما بعد المدرسة. فالتلميذ يعيش اليوم في عالم مفتوح على كل العالم، فليتّصل بمستقبله ابتداءً من حاضره.