النهار

برغر خالية من الجفاف والعواصف من فضلك!
المصدر: النهار - نعمت كريدلي
برغر خالية من الجفاف والعواصف من فضلك!
نحن اليوم ندفع ثمن شهيتنا! تطرف مناخي يصيب الكوكب الأزرق
A+   A-
نحن اليوم ندفع ثمن شهيتنا! تطرف مناخي يصيب الكوكب الأزرق، خاصة بعد الثورة الصناعية التي بدأت أواخر القرن الثامن عشر في بريطانيا. ققد ساهمت عوامل كثيرة كتوليد الطاقة، وسائل النقل، إنتاج الغذاء، وكل العمليات الصناعية التي تعتمد على الآلة في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة كثاني أكسيد الكربون والميثان، مما أدى إلى الاحترار العالمي، وساهمت غازات الاحتباس الحراري في ارتفاع حرارة الغلاف الجوي؛ لكن ما علاقة استهلاك البرغر وغيره من اللحوم بالتغير المناخي؟ وكيف أثرت الأنشطة البشرية كالتوسع في تربية المواشي على التوازن البيئي وندرة المياه؟
تؤكد وزارة البيئة الألمانية أن "إنتاج كيلوغرام واحد من اللحم البقري يؤدي إلى دخول 13 كيلوغرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، مما يتسبب برفع درجة حرارة الأرض". تحتاج الأبقار أيضاً إلى كميات كبيرة من الأعلاف التي بدورها تتطلب مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وكميات هائلة من المياه لزراعتها، مما يعني مزيداً من قطع الأشجار، استنزاف مصادر المياه ونسباً أعلى من المبيدات الحشرية الملوثة. إضافة إلى ذلك، تساهم الماشية بنحو 5.5 في المئة من الغازات الدفيئة، وتحصل الأبقار على حصة الأسد بنحوالي 70 في المئة من تلك النسبة. لذلك، تشكل الأبقار المصدر الرئيسي لغاز الميثان الذي تطلقه أثناء التجشؤ. فالميثان مادة هيدروكربونية CH4، وأي ارتفاع في نسبته في الغلاف الجوي يؤدي إلى زيادة الاحتباس الحراري. لكن الخبر الجيد أنه قصير العمر على عكس ثاني أكسيد الكربون CO2. لذلك، إن أي خطوة لخفض معدلات الميثان ستحقق نتائج إيجابية سريعة إلى حد ما في ما يتعلق بخفض درجة حرارة الأرض والتحكم بالاحتباس الحراري.
كتتيجة للاحترار الأرضي، يشهد الكوكب الأزرق ارتفاعاً في منسوب المحيطات، وتهديداً مستمراً للوجود البشري في المناطق الساحلية. صحيح أن استهلاك اللحوم ليس السبب الوحيد للتغير المناخي، إلا أن الأثر البيئي لإنتاج اللحوم يجب أن يحثّ المختصين ورؤساء الدول على إطلاق صفارة الإنذار. فعلى سبيل المثال، أظهرت "دراسة نشرت في دورية كربون بالانس آند مانجمنت في عام 2017 أن انبعاثات الميثان العالمية الناتجة من الزراعة الحيوانية تزيد بنسبة 11 في المئة عن التقديرات السابقة، بناءً على بيانات من اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ".
الكلّ بدأ يشعر أن الأرض تتغير بوتيرة سريعة، وهذا التغير مرتبط بالدرجة الأولى بعشوائية الأنشطة البشرية. الدول الصناعية الكبرى وأصحاب النفوذ الاقتصادي في العالم، الذين يحققون أرباحاً طائلة من الصناعات وتطوير الأسلحة والإنتاج الكثيف للماشية وزراعة الأراضي مع الاستخدام المفرط للمبيدات وغيرهم، هؤلاء المنتفعون من انبعاثات الغازات الدفيئة يروّجون لفكرة تقبّل تقلب المناخ، واعتبار التغير أو حتى التطرف المناخي "طبيعياً" ناتجاً من ظواهر طبيعية لا دخل للإنسان فيها. بالطبع، هذا الترويج غير علمي، وهدفه تجاري بحت، إذ يتسبب حرق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز) "بأكثر من 75 في المئة من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية" بحسب الأمم المتحدة.
التغيير الإيجابي لمسار التغير المناخي يجب أن يبدأ من برلمانات دول الشمال والجنوب، لا سيّما الدول الصناعية الكبرى. لكن يمكن للوعي الفردي أن يساهم أيضاً في التخفيف من حدة التطرف المناخي. فمثلاً: إن تقليل استهلاك اللحوم والألبان يساهم في خفض الطلب العالمي عليها، وبالتالي يمكن إعادة تشجير الأراضي، وخفض معدلات انبعاثات الغازات الدفيئة. إضافة إلى الفوائد الصحية التي تعود على الإنسان جراء خفض معدلات استهلاك اللحوم ومشتقات الحليب الحيواني، لأن استهلاكهم المفرط يؤدي إلى زيادة الالتهابات والأمراض في الجسم بسبب نسبة الهرمونات والمضادات الحيوية العالية التي تعطى للأبقار بشكل خاص، ناهيك بالأعلاف المعدلة وراثيا (GMO)، والتي تساهم بدورها في تفاقم مشكلة المياه العالمية التي ستظهر تبعاتها في العام 2025.
ماشية أقل، مياه أكثر! كلما انخفضت نسبة تربية المواشي في العالم، وفّرنا كميات أكبر من المياه، لا سيما أن شبح الجفاف الناتج من التغير المناخي، وسوء استهلاك المياه، سيغزو العالم قريباً، وستعود الحروب بين الدول لأسبابها البدائية المتعلقة بنبع هنا ونهر هناك، بعد أن وصلت حدة النزاعات السياسية بين الدول لآبار نفطية هنا وأسلحة نووية هناك.
هذا هو الإنسان! كائن يبني، وآخر يهدم حضارة أجداده وجداته، كلما بلغت ذروتها! فكما يعتقد ابن خلدون الحضارات مثلثة الأبعاد ولا تدوم. البداوة ستنصهر مع الذكاء الاصطناعي: شاب يتصفح كوارث الجفاف والتغير المناخي من خلال هاتفه الذكي، وهو ذاهب سيراً على الأقدام لأقرب نبع؛ وعند الوصول، سينتظر وقتاً طويلاً في طابور العطشى، حاملاً في يده الأولى هاتفاً ذكياً، وفي الثانية دلواً فارغاً يلعن غباء شعوب الأرض!
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium