النهار

"فــيـيـــنــا72" كرونوفيليا
المصدر: النهار - نزار الحصان - مخرج سينمائي – النمسا
"فــيـيـــنــا72" كرونوفيليا
لم يكن لقاؤنا بخالي طويلاً، استقبلني بحرارة مصطنعة وترحم على أمي التي لم تكن محظوظة في حياتها كما قال
A+   A-
لم يكن لقاؤنا بخالي طويلاً، استقبلني بحرارة مصطنعة وترحم على أمي التي لم تكن محظوظة في حياتها كما قال، بل كانت تعيسة بسبب تمرّدها على أهلها وزواجها من أبي الذي لا يستحقها حسب رأيه.
كان أنيقاً جداً ويحاول أن يبدو رجل سلطة قوياً، ولكن كل ذلك كان زائفاً حتى إني أشفقت عليه.
جرى الأمر بسرعة، وقّعنا الأوراق التي قدمها عمو نادر. كان لعمو نادر تأثير السحر عليه رغم عدائهما السياسي القديم، فحاول خالي تقديم نفسه كرجل فاضل لا تغريه الدنيا، وغادرنا بسرعة لدرجة أني كنت متأكدة من أن شعور خالي الآن أنه قد خُدع ويعضّ أصابعه ندماً.
‎ ولعل سبب استعجالنا بالذهاب كان هطول المطر في الطريق، قال هل تحبين المطر؟ قلت نعم جداً.
قال: سنشتري القهوة ونمشي تحت المطر كعاشقين، قالها مزاحاً. ولكنها عنت لي الكثير. لم تغمرني طوال حياتي فرحة كهذا اليوم. شعري المبلل أو كما أسماه الشعر الغجري المبلول.
كنا نتحدث بصخب مرح، فالشوارع فارغة إلا منا. كان يتكلم بصوت عالٍ محركاً يديه كما لو كان يرقص ويتحدث عن نفسه بمتعة.
هل كان يستعرض مغامراته ليقنعني بشخصيته أكثر؟. في هذه اللحظة أدركت أنه صادق حين قال لي البارحة أن عمره 36 عاما ًأو بالأحرى هو نهاية يعيش السابعة والعشرين عاماً من عمره للمرة الثانية، وكان يقصد عمري.
‎ من أين له كل هذه الجاذبية والطاقة في شخص بضعف عمري تماماً!
‎ لم يدهشني ذلك، فهو لم يتغير منذ كنت طفلة.
‎ يتحدث ويضحك، وكمٌّ هائل من النكات والمواقف المضحكة سردها.
السماء لا زالت تغسل الأبنية والشوارع، والبلل وصل إلى ملابسي الداخلية.
قال هيا مازال الوقت مبكراً، سأوصلك إلى الفندق لتغيري ثيابك ونذهب الى مطعم للعشاء والاحتفال بتوقيع الخال المغرور.
في الطريق خطرت لي فكرة ماكرة. قلت له: سمعت أنك طاهٍ ممتاز، وأرغب في أن أتذوّق طبخك. وكأي رجل نفش ريشه وامتدح نفسه بأنه يطبخ أفضل من النساء.
قلت لنذهب الى منزلك، دون تردد انحرف إلى الطريق الآخر، وخلال دقائق كنا في منزله.
في الحقيقة، لم يختلف بيته عما كنت أتخيله، فقط كنت أتوقع أن تكون الجدران ملونة، ولكن الكتب المتناثرة، الأوراق، واللوحات المعلقة على الحائط، كل ذلك يعكس شخصيته .
قال: تصرفي كما في منزلك. ناولني منشفة وبيجامته الخاصة لأستبدل ثيابي المبللة.
ذهبت للاستحمام وأعتقد أني قضيت وقتاً طويلاً أنظر إلى نفسي في المرآة.
حين خرجت كان قد رتب مكان الجلوس وأشعل الشمع.
ورائحة طعام شهي توقعت أنها تفوح من الفرن، فشعرت بجوع مفاجئ.
قال اصنعي لنا القهوة، جاء دوري لأغير ملابسي.
صنعت القهوة وأشعلت سيجارة، كنت أتمنى أن يغيب طويلاً. لأتأمل مكان حياته، كثير من الفوضى وكثير من الحياة حتى ليظن المرء أنها فوضى متعمدة لتصنع جمالاً خاصاً به وحده.
حين خرج كانت رائحة عطره تسبق ظهوره، فأغمضت عينيّ واستنشقتها بعمق.
جلس قبالتي، كنت قد أطفأت الأضواء وأبقيت على الشموع التي تراقصت على وقع كلماته، قال: لماذا أنت جميلة هكذا؟؟ لم يكن ينتظر الجواب وصمت طويلاً ثم أطلق تنهيدة.
سألته: هل لديك علاقة عاطفية؟
قال: لا... لدي علاقات وأشعل سيكارة أخرى.
أردت أن أملأ غروره قلت: قلت يحق لشخص مثلك ذلك، وعموماً النساء يفضلن هذا العمر.
تابعت، أنا مثلاً يعجبني الرجال الناضجون في مثل سنك وحيويتك و ... ثم ألم تقل أنك في الـ36؟
قاطعني قائلاً: أنت تعلمين أن عمري ضعف عمرك تماماً؟
أشاح بوجهه جانباً وقال: هذا حقك أن تُعجبي بمن تشائين... إلا بي، أرجو استثنائي من قائمتك... أنت الفاكهة المحرمة،
ونهض ليتابع إعداد الطعام.
لحقت به لأساعده قلت: هل تعلم؟... لو أردت الارتباط بشخص ما لن أقبل بمن هو دون الخمسين وخاصة بعد تجربتي الأولى في الزواج من شخص يكبرني قليلا فقط.
كنت أقف وراءه، قال: أنت فتاة صغيرة في عمر الورد مليئة بالحيوية والأنوثة وعشرات الشباب يتمنون قربك.
قلت غاضبة: لم أعد فتاة صغيرة، وتابعت بتحدٍّ: العمر ليس مقياساً، بل قد يكون لي خبرة في الحياة تفوق خبرتك.
قال دون أن يلتفت إلي: أستطيع أن أحدس أنك تقفين على قدم واحدة وتستندين بالأخرى على الأرض تهزينها بعصبية ورقبتك مائلة بينما يداك متشابكتان على صدرك.
وتابع: نعم صحيح، قد يكون ذلك يا جيل الإنترنت.
استدار وابتسم بجاذبية أطفأت غضبي وقال: هاتي حدثينا يا شهرزاد القرن العشرين.
كان الطعام لذيذاً، سمكاً حارًّا وباذنجان مشوياً،
قلت: هل لديك كحول؟
تنحنح ونظر إليّ بطرف عينه وقام، ثم أحضر البيرة...

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium