"مورانتاه تعا يسوع ملّي الدني مجد السما. بقول الروح جايي يسوع قرب العيد بعرس السما.
جيت كان في نور ضوّى البيت بالميلاد صوت عم بقول بحبّ كتير.
جيت للأطفال للمجوس للرعيان، جيت كرمال المساكين".
لم أجد أعظم في أن أبدأ مقالتي "زمن الميلاد المجيد" بغير هذه الصلاة التي تمجّد ولادة يسوع والنور الآتي منه.
وبين تمجيد الخالق والصلاة لأجله ومجيئه لخلاص المساكين والمعوزين والمرضى يشعّ نور آخر آتٍ من شاعرٍ مؤمنٍ تنسّك في صومعته الخاصّة، فترهّب للكلمة، وطبع سيرة حياةٍ نقيّة ومتواضعة.
في خضمّ البحث عن معاني العيد العميقة استحضرت كتاباً للشاعر نعمة مرعي تحت عنوان "صلّو معي"، يدعو فيه البشرية جمعاء إلى أن تعود إلى الصلاة، وأن تشترك معه في صلاته اليوميّة، التي دأب عليها باستمرار طوال سنواته البالغة خمساً وتسعين على هذه الأرض.
"صلوّ معي" هو الإصدار الحديث للشاعر مرعي، بعد إصداراته: " كلمة أنا"، "غيمة صيف"، "من مرجات المريجات-الضيعة"، "عواطف ومعاطف" و"خواطر ومخاطر".
"صلّو معي" كتاب يُشبه قدسيّة كاتبه، وينمّ عن تسعيني مؤمن وخلاّق إلى أبعد الحدود، ويجعل من الكتابة رجاءً، ومن كلماته دعوةً للتأمل في الحياة الآتية بحبٍّ فضفاض وطهرٍ قلّما نختبره بين البشر.
في كتابه "صلّو معي" يستهلّ الكاتب كتابه بالأبانا، ويتلوها على طريقته الخاصّة من خلال حوار خاصّ ارتآه الكاتب بينه وبين الخالق، ليُعزّز في نفسه مؤونة الإيمان والتوبة من كلّ الخطايا، ولينعّم بالبركات، ويقهر الشيطان، فيتحرّر بالتالي من كلّ الآفات والموبقات.
في فحوى مضامين كتابه تطرّق الكاتب إلى أقوال الله عزّ وجلّ المأثورة، وشرحها بانسيابيّة وبساطة تدخل القلب لتنير درب الظلمات بما يجعل من حياتنا رسالة طوباويّة عميقة نحياها بمعانيها المسيحيّة الحقيقية من خلال مساعدة المحتاج والفقير، فلا معنى لأن نملك المال ثم نترك آخر بحالة عوز وفقر.
لم يملأ الكاتب صفحاته من فراغ بل هي فعلٌ يومي يعيشه ويكرّسه في حياته على هذه الأرض، خصوصاً أنّه غير مقيّد بمناسبة معيّنة أو عيد خاصّ كي يقدّم الغالي والنفيس للمقهورين.
لم يبخل هذا التسعينيّ في حياته يوماً على أخٍ له في الإنسانية، إذ لم يردّ خائباً قَصَدَه، كما لم يبخل على طالب مساعدة غدرته الأيامُ أو أضعفه ثقل السنين، بعد أن رمت بأوزارها عليه حتى قبل الأزمة الاقتصادية الحالية.
الشاعر نعمة مرعي أو "عمّو نعمة" كما نناديه سلك دروب الفضيلة على طريقته، فترهّب لها في بيته الخاصّ الذي جعله محجّة له مليئة بصور القدّيسين والكتب التي تروي سيرة حياتهم، فبدا جلياً هذا الأمر في استحضاره حياة القديسين في كتابه "صلّو معي" الذي استعرض فيه مراحل أعمالهم وإيمانهم وأوجاعهم التي اختبروها منذ أن شعّ نور الرّب في دروبهم.
لقد أظهر الكاتب إلماماً واسعاً بخبايا حياتهم، لم نكن ندركها سابقاً، فزاد على دفء كلماته الطاهرة معرفةً أودعنا إيّاها في تطرّقه إلى أسرارهم كلّ على حدة.
على الرّغم من فائض الإيمان والتقوى والزهد بالحياة المادية التي تغري كثيرين، دأب الشاعر في كلّ شطرٍ من كتابه على أن يجدّد دعوته للخالق إلى أن يردعه عن كلّ خطيئة، وأن يحثّه أكثر على فعل الخير، هو الذي اختبر فعل الكهنوت من خلال الخيرات والمساعدات التي قدّمها بصمت المؤمن الذي يقول "لا تجعل من يمينك تدري بما فعلت يسارك" إيماناً منه بأن فعل الخير ليس بحاجة إلى "بروباغندا"، فالله يرى ويسمع ويقدّر ويبارك.
"صلّو معي" كتابٌ يشبه في روحيته الإنجيل المقدّس، فلا تبخلوا على أنفسكم بأن تتزوّدوا منه قوتاً يوميّاً في حياتكم.
لا نغالي في القول إن كتاب "صلّو معي" هو كلمة الله على الأرض تجسّدت في قلب وضمير تسعينيّ عرف كيف يستثمر الوزنات التي أودعها الله فيه، وجعل من "صلّو معي" مسبحة ورديّة نتلوها باستمرار.