النهار

تأملات في مذكّرات يائيل لوتان
المصدر: النهار - محمد جهاد إسماعيل - فلسطين
تأملات في مذكّرات يائيل لوتان
احتفل الإعلام الأميركي بانتصار إسرائيل في حرب ١٩٦٧، وفي المقابل اتخذ خطاباً معادياً للعرب، وشامتاً بهزيمتهم في الحرب.
A+   A-
يائيل لوتان هي ناشطة سلام إسرائيلية، وهي كاتبة وصحافية، عملت محرّرة في عدد من المجلات، ولها العديد من المؤلفات، وترجمت كتباً متعدّدة ما بين الإنجليزية والعبرية، لعلّ أبرزها كتاب شلومو ساند الشهير (اختراع الشعب اليهودي) الذي ترجمته للإنجليزية.
ولدت يائيل في فلسطين الانتدابية عام ١٩٣٥، من أبوين مهاجرين من لاتفيا، وأمضت الشقّ الأوّل من حياتها متنقلة، كثيرة الترحال، ما بين إنجلترا والسويد والأرجنتين وجامايكا والولايات المتحدة. أمّا الشقّ الثاني فقد أمضته مستقرّة في إسرائيل، إلى أن ماتت عام ٢٠٠٩.
بوّأت يائيل نفسها مكانة رفيعة في المشهد الثقافي الإسرائيلي، رغم أنها كانت دوماً مُحارَبة، فقد كانت مُعارِضة شرسة متمردة، تسبح عكس التيار السياسي السائد، تندد بالسياسات الإسرائيلية، وتدافع عن حقوق الإنسان، لاسيّما حقوق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة.
كتبت يائيل مذكراتها في تسعينيات القرن الماضي، وقد جاءت المذكرات باللغة الإنجليزية فيما يربو عن خمسمائة صفحة. قدّمت يائيل مخطوط المذكرات لعدد من الناشرين في بريطانيا، وكان المخطوط يقابل دوماً بالرفض، بحجّة أنّ محتواه معادٍ لإسرائيل ومعادٍ للسامية والصهيونية.
ظلت يائيل - حتى وفاتها - تكافح لأجل نشر المذكرات، دون أن تنجح. والآن، وبعد ١٣ عاماً على وفاتها، لا زالت المذكرات لم تنشر، ولن تنشر.
تنطوي المذكرات على قدر كبير من الأحداث، والوقائع، والأخبار، التي تكشفها لنا كاتبتها. وهذا مرورٌ وجيز، على بعض ما اشتملته المذكرات الممنوعة من الحياة.
* تكشف يائيل كم كانت شخصية بيغن دموية، وحاقدة، وغير متسامحة. فبعد خروج والدها من حركة بيتار، بعث له بيغن قنبلة إلى البيت، فانفجرت، وكادت تقتل أباها وكلّ أهل بيتها.
* كان الذعر وقلق الوجودية يتزايدان عند يهود فلسطين الانتدابية، كلما تقدّم الجيش الألماني في شمال أفريقيا. فقد كانوا يخشون التعرّض للإبادة ولهولوكوست ثانية، إذا ما وصلت طلائع الجيش النازي إلى فلسطين.
تتحدث يائيل عن أسرتها في تلك المرحلة العصيبة، فتقول إنّ والدها خطّط للفرار، إلى كهوف الكرمل، إذا ما اقترب الألمان كثيراً من فلسطين، وأنّه خطّط لإرسالها، هي، ووالدتها، للتخفي عند أصدقائه البدو في صحراء النقب.
* في ذروة الحرب العالمية، قام سلاح الجو الإيطالي بقصف تل أبيب عدة مرات. صفارات الإنذار كانت تدوي في القدس، إلّا أنّ المقاتلات الإيطالية لم تمسّها البتة (لربما امتثالاً لتوجيهات من الفاتيكان مثلاً).
* في يونيو ١٩٤٨، أي في ذروة انشغال الجيش الإسرائيلي بالحرب مع الجيوش العربية، اندلعت حرب أهلية إسرائيلية صغرى على ساحل تل أبيب. فقد قام الجيش الإسرائيلي بقصف سفينة ألتالينا، التي كانت تقلّ أسلحة لمنظمة أرغون. اشتبك الجيش مع مقاتلي أرغون على الساحل، وسقط في الاشتباك، عشرات القتلى والجرحى.
* تقول يائيل إنّ ثمّة مراسلات ورسائل كانت بين عبد الناصر وموشي شاريت. ورغم هذه المراسلات، إلّا أنّ إسرائيل لم تسعَ للسلام مع المصريين في زمن عبد الناصر. وإنما كانت عدوانية، غير سليمة النوايا، فقد استهدفت القوات المصرية في قطاع غزة، وتورطت في فضيحة لافون، وشاركت في العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦.
* احتفل الإعلام الأميركي بانتصار إسرائيل في حرب ١٩٦٧، وفي المقابل اتخذ خطاباً معادياً للعرب، وشامتاً بهزيمتهم في الحرب. لقد قام أحد الناشطين الأميركيين بنشر كتيب، يحتوي نُكتاً وقفشات ساخرة حول هزيمة العرب. فيما نشرت إحدى صحف نيويورك، رسم كاريكاتير، يظهر فيه أبو الهول وهو يرتدي عِصابة عين موشي دايان.
* خرج أرييل شارون من حرب ١٩٦٧، مزهواً بالنصر الذي تحقق على العرب. فوجه تهديداً عنترياً مجنوناً للاتحاد السوفياتي، وقال ما يلي: (إذا ما استمّر السوفيات في مضايقتنا، فسوف نحرك لهم جيشنا كي يؤدبهم، وسيكون بمقدور جيشنا، أن يصل أوكرانيا، في غضون ٣٦ ساعة فقط)!
* توجس الإسرائيليون عند إعلان السادات نيته زيارتهم عام ١٩٧٧. وراودتهم أفكار مجنونة هي أقرب للخيال، فالجنرال هوود مثلاً، كان يرى أنّ طائرة السادات ستتحول، بمجرد دخولها الأجواء الإسرائيلية، إلى حصان طروادة، وستكون مقدمة لهجوم مصري مباغت. أخذت السلطات الإسرائيلية كلّ هذه الخيالات على محمل الجدّ، وأحاطت مطار بن غوريون - الذي هبطت به الطائرة - بترسانة من الدروع والقوات الخاصة.
* لم ينزعج الإسرائيليون من خيانة فعنونو لأسرار ديمونا، بقدر انزعاجهم من رِدّته عن الدين اليهودي وتحوّله للمسيحية. الرِدّة هي أمر معيب، ليس فقط عند المتدينين في إسرائيل، بل أيضاً عند العلمانيين. فلطالما حاول البعض إقناع بلدية تل أبيب، أن تطلق اسم الشاعر اليهودي هاينرش هاينه على أحد شوارع المدينة، إلّا أنّ البلدية كانت ترفض بشدة، وذلك بسبب رِدة الشاعر.
* سافرت يائيل إلى رومانيا عام ١٩٨٦، ضمن وفد إسرائيلي مكوّن من ٢٢ شخصية، منهم الكتاب، والفنانين، والأكاديميين. التقى الوفد الإسرائيلي هناك بشخصيات فلسطينية تمثل منظمة التحرير، وجرى بحث سبل التقارب والسعي نحو تحقيق السلام. عند عودة يائيل إلى إسرائيل جرى توقيفها في المطار، ثم طُلِبت للمثول أمام المحكمة، ليدينها القاضي بتهمة (لقاء أشخاص من منظمة التحرير)، ويحكم عليها بالحبس ١٨ شهراً وغرامة قدرها أربعة آلاف شيكل.


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium