على طريق الحياة تتشابك قامات الأحياء بمختلف الأزمنة.
أحياء بأشكال لا متناهية يتسكّعون على أرصفة العدم غائبين كضباب الصيف الهائم في زخّة مارّة، عارفين أنّ الغياب وجه آخر من وجوه الصمت الملتحف ذاته كبدن مزّقته رياح الأشرعة فالتفّ يعيد حياكة نفسه ليلائم جلده الصقيع. على تلك الطريق وقف الهاربون من الماضي يتابعون هروب حاضرهم الى مستقبل هرب من وجوده حاملًا عصف النبوءات صاعدًا بها نحو جلجلة الهيولى الأولى، ليرقص في عدمية الحركة على هديل سيمفونيّة النهاية رقصة مهترئة شاحبة، ليغنّي غناء المتصخّرين في الفراغ. طريق تمشي تحت الأرجل المتجذّرة فيها، تحت أقدام الجماد، ولا تقف. تمشي كمدّ في دهاليز الغروب، تعبث بمغيب عمرها، بسنين ولّت على عجل لتتقمّص جسدًا جديدًا، جسد طفل هارب من الماضي عائد من المستقبل متوجّه نحو حاضر فقد ذاكرته يبحث عن الأمس والغد. وتسير الحياة في دائرة الله بعجلات دائريّة تقيّدنا في أرض شمسها النواة وكواكب الشمس شظايا لا تنفكّ تدور وتدور ويدور الكون حول نواة لخليّة في جسد الله، ستموت كما نموت لتحيا من جديد في جسد الله ثمّ تموت لتحيا. ونبقى الجاهلين كلّ شيء حتّى حقائقنا المزيّفة. فالحقيقة زيف مبرمج يحفر جدث الحياة ليستقرّ في الورود المنحوتة فوقه، حيث الغبار سكب روحه ليجد الدفء. دفء العمر البارد. فالعمر صقيع وثلج، والصقيع ساعة رمليّة تسافر في الزمن فتطعمه أعمارنا. ويربى الزمن في ساعاتنا يترعرع وينمو آكلًا أعمارنا ليمتدّ ويكبر كالدالية، ونتساقط عن حمله كالعناقيد لتدوسنا قدما الله فنعفن ونتحلّل لنصير خمرًا ضائعًا بين الوجود وعكسه. وندور من جديد باحثين عن التناقضات، جاهلين أنّها فينا وأنّنا سنبقى خمرًا على مائدة الأزل، وفي كأس الله يشربنا فنتقدّس حتّى السُّكْر، حتّى الدائرة الأخيرة التي يستشعرها الشارب قبل الغيبوبة.