الموت سرّ من أسرار الحياة، لم يقدر أن يربحه أحدٌ من بني البشر. ولكن لماذا يا موت تأخذ أعزّ النّاس على قلوبنا؟ ماذا تستفيد من دموعنا ونحيبنا؟
منذ زمنٍ، وأنا أرغب في كتابة هذه الكلمات، وأنا أرفض إعطاءها هذا الشّرف... إن خسارة شرايين من القلب تجعل من الصعب إكمال الحياة من دونها. وللأسف، مهما بلغت قوّة الإنسان فسيبقى أضعف من الموت. إنّ أقوى قصّة عشق هي عشق الموت للبشر، فهو لا يعرف أعماراً ولا أجناساً، بل أينما وقعت يده على كائن ما أخذه من دون سؤال، وحتّى من دون تحضيرٍ نفسيّ.
فما ذنب المحيطين بالرّاحل؟!
أما يجب علينا توديعه ولو بقبلة أو عناق، على الأقلّ؟
صدّقني أيّها الموت، نحن نخسر بينما أنت تربح... خسرت جدّتي وجدّتي، وهما أقرب من القلب. بكيت بكاء الأطفال عند معرفتي بخسارتهما. ناديتهما ولكنّهما لم يجيبوني؛ طرحت عليهما أسئلة ولكن لا جواب؛ عرضت عليهم وعد الخنصر بأن يذهبوا شرط الرّجوع ولكنّ خنصرهم أيضاً لم يشبك خنصري.
آه منك يا موت كم أنت قاسٍ...!
وكما قال الأب جوزيف ضاهر في كتابه "قبلة الورود" "بالرغم من زمجرة أهل الحياة في وجه الموت، لكنّهم ما أخافوه يوماً".
أعلم يا موت أنّ هذه قوانين الحياة، ولكنّ رويداً رويداً علينا فالفراق صعب، والأصعب الاشتياق. أرجوك أرجع لي من أحبّهم فقط لأقضي بعض الوقت الإضافي معهم، ولأعبّر عن مدى الحبّ المزروع في قلبي لهم.
أعلم أن الله هو حارث الأرض، والحارث يأخذ أفضل الزّهور لحديقته، وإنّ ربّي أخذ أجمل زهرتين لتزيين حديقته السّماويّة، وأنا متأكّدة من أنّها أصبحت تبدو رائعة.
آسفة يا موت على لومك، ولكنّ هذه الكلمات لا تفارق قلبي، فعليّ إخراجها لإيقافها عن خنقي ليلاً. ولكنّ سؤالاً واحداً - يا موت - هل لديك ذرّة إحساس لقيامك بهذا العمل الموكّل به؟!