النهار

لبنان ـ فرنسا.. عندما تعاني "الأم" كما "ابنها"...
المصدر: النهار - كاتيا سعد ـ فرنسا
لبنان ـ فرنسا.. عندما تعاني "الأم" كما "ابنها"...
منذ أن اشتدّت أزمة لبنان، وجارتي الفرنسية تطمئنّ مني عن وضع لبنان وعائلتي، خاصة كلما ذهبت في إجازة إلى هناك
A+   A-
منذ أن اشتدّت أزمة لبنان، وجارتي الفرنسية تطمئنّ مني عن وضع لبنان وعائلتي، خاصة كلما ذهبت في إجازة إلى هناك. تحاول أن تستفسر أكثر كيف الحال على أرض الواقع، كيف يؤمّن اللبناني احتياجاته، ماذا عن الماء والكهرباء وأزمة المصارف وغيرها لأنّ اللائحة طويلة. كنتُ أحاول قدر المستطاع إيصال الوضع من مشاهداتي وما أعرفه من أهلي ومتابعتي الإعلامية. ولكن لم أكن أتوقّع أن يأتي اليوم الذي أتحدّث معها عن نفس الموضوع، ولكن هذه المرة عن فرنسا. والمضحك المبكي في الأمر، أنني وأنا أنظر إليها "مهمومة" جداً، وهو أمر طبيعي، قلتُ لها: "أنا آسفة ولكن كلبنانية لربما أنا معتادة على هذا الظرف". يا لسخرية القدر؟ يا لحظّ اللبناني أينما كان؟ هل جميل أن نعتاد؟ هل .. هل .. ؟ مجموعة من الأسئلة تتراكم، والجواب واحد سواء من لبنان أو خارجه: "ان شاء الله ما تتأزّم".
منذ شرارة الحديث عن الأزمة في فرنسا، كنت أحاول الكتابة حول الموضوع ثم أتراجع. لربّما لأنني اعتدت عندما أتكلم عن فرنسا، أن أتحدّث عن الغربة ؛ لربما لأنني كنت أريد أن تكون غيمة سوداء وتمرّ، كما هو تقلّب الطقس هنا ؛ لربّما لأنني لا أريد أن تعيش فرنسا مصير لبنان؛ أو لربّما لا أريد أن أرى مصيري ومصير كل لبناني مغترب، أمام موقف: "عادي.. أنا لبناني(ة).. معوّدين". بالتأكيد لستُ الوحيدة التي كنت أرى إلامَ ستؤول إليه الحال في فرنسا، منذ بضع سنوات، وعندما كنت أتحدّث أمام أصدقائي عن مخاوفي، كانوا يعتبرون أنني أبالغ أو أنني أحبّ الدراما. لا لستُ Drama Queen، ولا محللة سياسية، وليس لي أي صلة بالعمل السياسي، ولكنني فقط مواطنة أنظر جيداً من حولي وألاحظ التغيّرات.
بالتأكيد كوني لبنانية ـ فرنسية، فإنّ جيناتي اللبنانية تستيقظ في الكثير من المواقف خاصة الـ"صعبة" منها. وهي من تدفعني أن أكون أكثر دقة في مراقبة الأحداث، وإن الطفيفة منها على مدار سنوات، وجينة الحذر تمشي في دمي. كنتُ أتمنى أن يكون إحساسي مجرّد "فوبيا لبنانية" ومتلازمة "الخوف اللبناني"، كنتُ أتمنى أن لا تصبح العلامات الأولية حقيقة ملموسة نقف في مواجهتها. ولكن، ليس كل ما نتمنّاه يتحقّق من أجلنا. لستُ هنا لأقارن بين لبنان وفرنسا في ما يتعلّق بحجم الأزمة، ولكن لكل منهما خصوصية في مجريات تطوّر الأحداث وكيفية تداركها. صحيح أنّ الحرب الروسية ـ الأوكرانية، كان لها تأثيرها في إشعال نيران الأزمة، ولكن مع الأسف شرارتها تمتدّ سنوات إلى الوراء. والتظاهرات التي تملأ الشوارع اليوم، لا يمكنها أن تُنسينا حركة "السترات الصفراء" Mouvement Gilets Jaunes، التي بدأت في تشرين الثاني 2018، وكان ارتفاع سعر الوقود هو المحفّز لبدء هذه الاحتجاجات الشعبية، ثم غلاء المعيشة. وهو الذي يتكرّر منذ أشهر، على نطاق أوسع: إنّ أزمة الوقود هي "القطرة التي جعلت الكوب يفيض"، بعد أن بدأ يمتلئ من ارتفاع نسبة التضخّم، أزمة الطاقة، نظام التقاعد وغلاء المعيشة.
كنتُ أقول وأكرّر أعيش في فرنسا، ولكن يصعب أن أفصل نفسي عن أزمة لبنان... واليوم ما نعيشه في فرنسا، وإن لم يصل بها الحال كما لبنان، ولكن نلتمس الكثير منه... وما لا أتمناه للبنان من دمار وخراب وأزمات وتراجع، لا أتمنّاه لفرنسا... وما أتمناه لفرنسا من استقرار وأمان وسلام وطمأنينة، أتمنّاه للبنان. وكأنّ فرنسا، التي تحمل لقب "الأم الحنون" للبنان، تثبت اليوم كيف أنّ الأمّ تشعر مع ابنها لدرجة أنها قد تحمل معه نفس الوجع ويتغلغل داخلها.
ماذا عن المستقبل القريب؟ لن أكون متشائمة، بل بالعكس سأتمسّك بما تعلّمته عن البلدين:
لبنان أرض القداسة، وسيتعافى ويعود أقوى مما هو عليه... فرنسا، سأعمّم عليها لقب عاصمتها باريس، لتكون بلد النور، وستعود مشرقة أكثر مما هي عليه...
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium