النهار

أحبّ النّهايات لا البدايات... ماذا عنكُم؟
المصدر: النهار - مارينا عندس
أحبّ النّهايات لا البدايات... ماذا عنكُم؟
على مقاعد الدّراسة، عشتُ أجمل ذكريات الطّفولة. كانت المدرسة، هي المكان الوحيد الذي أشعر فيه بالمُتعة والحماس
A+   A-
على مقاعد الدّراسة، عشتُ أجمل ذكريات الطّفولة. كانت المدرسة، هي المكان الوحيد الذي أشعر فيه بالمُتعة والحماس، وذلك تحديدًا عندما كنت أنتظر الحصص بفارغ الصّبر، لاسيّما حصّتي اللّغة العربيّة وآدابها، والرّسم. وعلى كلّ رنّة جرس، أغيّر مكان مقعدي بعد الاستئذان طبعًا.
كنت أجلس أثناء حصّة اللّغة العربيّة، على المقعد الأوّل لأركّز على كلّ كلمةٍ يلقيها أستاذي، وعلى كلّ شدّة يشدّ عليها. أراقب اصبعه متى يدلّ على صورة النّصّ وأتعمّق بالقراءة جيّدًا. وأنتظر بفارغ الصّبر يوم الجمعة، لأرتّب تسريحة شعري وأقف على اللّوح، وأقرأ لزملائي موضوع الإنشاء الذي صغته طوال الليل في منزلي. وفي كلّ مرّةٍ قرأت فيها موضوع الإنشاء، عرفتُ أنّ نهاية هذه الحصّة ستحضّرني لبداية إعلاميّة. نعم، كنت أراقب نفسي وكأنني إعلاميّة تلقي موضوعًا معيّناً. وبهذه الطّريقة، عرفتُ أنّ البداية تحضّرني لنهايةٍ ما.
أمّا عن حصّة الرّسم، فكنت أطلب الإذن لأجلس في آخر مقعدٍ من الصّف، لأرسم على راحتي ما يحلو لي. أقصّ الأوراق وأضع البريق اللّاصق من دون أن أشعر بانزعاجٍ من أحد. لا أعير أغراضي لأحدٍ ولا أستعير منهم، لئلّا تضيع دقيقة واحدة سهوًا. هكذا كانت أيّام دراستي. أمّا باقي الحصص، لا يعنيني مكان مقعدي، أينما جلستُ فلأجلس.. لا يعنيني بتاتًا.
"ما لون التّفاحة"؟ سؤالٌ لن أنساه! طرحتهُ علينا معلّمة الرّسم، علّنا نخمّن الألوان. ومن يحزر ممّا يتألّف لون الّتفاحة، سيحصل على هديّة قيّمة. هل عرفتم ما هي؟ نعم، حلم الجميع! علبة تلوين تحتوي على الألوان عينها التي علينا معرفتها. كثيرون أجابوا لكنّ الإجابات جمعيها خطأ. معظم أصدقائي كانت أجوبتهم كالتّالي:" أحمر؟ أخضر؟ أصفر؟؟ الخ! إلّا أنا:" أجبتُها ضاحكةً:" الألوان جميعها يا معلّمتي.. من الأسود وصولًا للأبيض".
البعض اعتبر أنّني قلتُ هكذا، لأنّني أردتُ علبة التّلوين الكبيرة التي تحتوي على كلّ الألوان طمعًا. لم يكن بعلمهم أنّني أراقب لون الّتفاحة في كلّ مرّةٍ قبل تناولها. أراقب البنيّ فيها، والأصفر فيها والنّقاط السّود. أراقب بعض الاخضرار فيها والبنفسجي بجميع درجاته وصولًا إلى الأحمر. هكذا كانت ولا تزال شخصيّتي.. تراقب الأمور بأبسط ما فيها وترسمها في مخيّلتها. شخصيتي تحلّل كثيرًا لمعرفة البدايات والنّهايات. تعرفُ أنّه وفي كلّ موقفٍ أمرّ به، يعبرّ عن بدايةٍ ما.
بدايات رحلتي المشوّقة، بدأت مع ذكريات المدرسة وانتهت بوصولي إعلاميّة. فكيف لا أفضّل النّهايات؟
سؤالٌ بديهيٌ يُطرح علينا دائمًا:" هل نفضّل البدايات أكثر أم النّهايات؟ غالبًا ما تكون الإجابة بالبدايات. لأنّه وبشكلٍ لافتٍ، كثيرون من يعتقدون أنّ البدايات لها رونقها الخاصّ، فلنأخذ على سبيل المثال علاقة حُب. تبدأ بشغفٍ وعشقٍ ولهفةٍ. يكون فيها الحماس أكبر والتّفكير بالآخر أكثر، والهدايا والدّباديب تملأ المنازل.
هذا ما يعتقده البعض. أمّا عن نفسي، فهي غالبًا ما تبحث عن النّهايات ولو كنّا في أوّل البداية، ولو بانت الأمور مُبالغاً فيها، لكن صدّقوني كثيرة هي المواقف التي ألغيها في البدايات ولا أنظرُ أساسًا إليها، لأنّني أرسم النهاية في مخيّلتي وأحيانًا كثيرة تصدُق.
والسّبب؟ غالبًا ما يتمّ تغليف البدايات بكيسٍ من الذّهب، يبرُق في فتراته الأولى، ليتّضح لاحقًا أنها تنك. أمّا النّهاية، فإمّا نتحضّر إليها ونطبخها طوال فترة الطّهي، وهُنا الأساس، وإمّا تُفاجئنا بالقدر. لكنّها على أية حال، النّهاية تكون صادقة، واعدة وحقيقيّة. مكشوفة أمامنا ومبرهنةً أنّ ما قُمنا به من عملٍ، أتى بنتيجةٍ. حتّى ولو كانت النّتيجة سلبيّة، لكّنها أتت. هي ليست مخبأة بذلك الكيس الذّهبي، اللّامع، الذي لا قيمة لهُ.
بالمُختصر، راقبوا ألون التّفاحة جيّدًا، صحيح أنّها حمراء لكنّها تحتوي على كلّ الألوان. وقدّروا المُستقبل لأنّه أهمّ من الحاضر والماضي. وأحبّوا النّهايات ولو لم تكن على مزاجكم، حسّنوها.
أمّا عن البدايات... فلا تصدّقوها!
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium