عندما يفقد المرء القدرة العقلية على السيطرة على أفعاله وتصرفاته، وعندما يعجز عن المغادرة أو الاستغناء عن تصرف وفعل يقوم به بشكل دائم ومستمر، يصنف في فئة الإدمان. تبدأ عملية الإدمان لدى البعض عندما يستعمل الشخص مادة معينة تنقله إلى عالم آخر ذي طابع وسعادة مزيفة وذات أمدٍ قصير سريعة الزوال. لا تحصر هذه المواد فقط بالمواد السامة الضارة مثل الكحول أو الماريجوانا أو المخدرات مثل الكوكايين، فمن الممكن أن يكون المرء مدمناً على الشكوكولا أو الوجبات السريعة التي ستسبب له على الأمد الطويل مشاكل صحية ومزمنة يمكن تجنبها بالحد من هذا الإدمان. كما لدى بعض آخر تبدأ هذه العملية عند تكرار فعل أو تصرف معين فينخرط الفرد بصورة متكررة في سلوك ما بشكل خاص يكون في معظم الأوقات سلبياً على الفرد نفسه وعلى محيطه، فالعمل المفرط والانغماس المفرط في التحفيز الجنسي، والتسوق، يندرجان أيضًا في فئة الإدمان. ورغم أن جميع أنواع الإدمان متساوية الخطورة والضرر، إلا أن لانعكاس أي منها تأثيراً سلبياً لا يستهان به على المجتمع والجماعة.
تتعدد العوامل المؤدية إلى الإدمان، فمن المحتمل أن يتبع أحدهم عادة إدمانية إذا كان لديه أي استعداد وراثي، فإذا رأى شخصًا ما من العائلة يتعاطى المخدرات أو الكحول أو يذهب إلى سلوكيات قهرية مثل المقامرة أو المراهنة، من المرجح أن يرث هذا الإدمان. كما تساهم أيضاً العوامل النفسية في أن يقع المرء في خطر الإدمان هارباً من واقعه المأساوي لاجئاً إلى مواد خطرة الاستهلاك كالمخدرات والكحول. كما تتعدد أسباب الإدمان تتعدد نتائجه، فللإدمان كأي فعل آخر سبب ونتائج عديدة ومتعددة. تختلف أثار الإدمان حسب نوع ومدى خطورة هذا الإدمان، فالإدمان على السكريات لا يؤثر إلا على الفرد نفسه، فهو يؤدي إلى السمنة على المدى القصير وأمراض مزمنة على مدى أطول. لكن بعض أنواع الإدمان تكون نتائجها أكثر خطورة بأضعاف، فمنها يؤدي إلى تفكك أسر وانشراخ المجتمعات حتى الوصول إلى الموت والانتحار. لتجنب تلك النتائج المأساوية على مدمني المخدرات والكحول تحديداً الخضوع لعلاج وعلى المؤسسات المختصة نشر التوعية للحد من ارتفاع نسبة هذه الآفة في المجتمعات.
خلال حديث لنا مع مدربة الحياة لينا خوري رئيسة قسم الاتصالات وتطوير البرامج في أم النور تعرفنا على إحدى الجمعيات التي ساهمت لأكثر من 20 عاماً بتقليص ظاهرة الإدمان في مجتمعنا. تأسست جمعية أم النور في أواخر العام 1989 عقب محاولة مجموعة أشخاص انقاذ صديق لهم كان يعاني من الإدمان، ولهذه الجمعية عدة أهداف منها نشر المعرفة حول مخاطر تعاطي المخدرات، وخاصة لدى الشباب وهذا يشمل أشياء مثل المخاطر النفسية والصحية والاقتصادية، مساعدة مدمني المخدرات على التحسن والتغلب على إدمانهم وتقديم مساعدة للأسر حول كيفية التعامل مع الإدمان وتشجيع أولادهم على تلقي العلاج والوقاية. أما عن الخدمات فالمؤسسة تستقبل المدمنين في مراكز التأهيل بهدف علاجهم ومساعدتهم على تحسين قدراتهم حتى يتمكنوا من عيش حياة طبيعية. أما بعد العلاج فتحرص الجمعية على تأمين الرعاية والدعم الذي يحتاج إليه المدمنون، والتأكد من اندماجهم في الدائرة الاجتماعية وعدم الانتكاس. كما أنها على الصعيد الأسري تعمل على نظام الإرشاد العائلي. ويقدم هذا البرنامج الدعم من خلال المجموعات والجلسات الخاصة والزيارات المنزلية لتوضيح المشاكل والعقبات واقتراح الحلول وتحديد العلاقة بين المدمن وعائلته. وتساعد أيضاً أم النور في توعية الناس عن مخاطر الإدمان وكيفية الوقاية منه. تقوم بذلك من خلال تنظيم حملات لزيادة الوعي وتعزيز المشاركة في مكافحة الإدمان. خلال سؤالنا حول الخلفية الأكثر انتشاراً للمدمنين أشارت السيدة لينا أن الإدمان يصيب جميع الفئات "الإدمان ما بيعرف لا دين ولا طبقة"، مضيفة أيضا أن أغلب الحالات تعود إلى سوء التعاطي مع المشاكل النفسية والتصدي لها وهذا يعود إلى افتقار الوعي بالصحة النفسية في مجتمعاتنا. أما بالنسبة للأعداد، فقد زادت نسبة المتعالجين وذلك لترسخ الدراية عن مخاطر الإدمان في مجتمعاتنا ولكن من المؤسف أن أعداد المدمنين ارتفعت بسبب الأزمات التي يمر بها لبنان. تتابع جمعية أم النور المدمن حسب برنامج مدته سنة وثلاثة أشهر كما تتابعه بعد العلاج مجاناً.
الإدمان هو حالة جسدية وعقلية يصعب التغلب عليها. يحدث ذلك عندما يبدأ دماغ الشخص في الاستجابة بشكل مختلف للمواد أو السلوكيات، ما يجعله يشعر بالإدمان وعدم القدرة على التوقف عن تعاطيها أو القيام بها. قد لا يكون من العدل ربط سلوك الشخص المسبب للإدمان بمعاييره الأخلاقية أو شخصيته فلكل ظرف حكم. يمكن علاج الإدمان عن طريق العلاج والأدوية، لكن الأمر يتطلب الكثير من الدعم من الأحباء والتحفيز والحب للتغلب عليه.