عصف الحنين في صدره وهاجت أمواج الشوق تمزق الروح وتصفع القلب بكفوف الغربة، فانتفض المارد من داخله يحطم قيود كبلتها أعراف مجتمعات قاسية ظالمة أبعدته عن حبيبته بعدما أوشكت أن تُغتال روحها من سهام بشر جهّال عميان القلب والبصيرة مأسورين للشهوات مستعبدين للثرثرة وللمال فقط في حياتهم، فقرر الرحيل بعد عناء وأسى وجراح بالغة تمنى حينها الموت ليرتاح، لكن الابتعاد ليس بسبب مصابه من الأوجاع والعذاب له بل لترتاح خليلته وتحيا بسلام بعيدة عن كل خطر يهدد روحها وحياتها. اليوم نوى أن يثقب بنور حبه جدار الظلمة القاتلة حتى يصل الى أعماق ملاكه فيلمس الحياة وتشعر هي بدفء اللقاء بعد جليد قارس. اتخذ تلك الخطوة والخوف ملبد في صدره، هل من الممكن أن يسبب لها الأذى؟ هل ستقابل شعاع روحه بلهفة حب عظيم طاهر كتبا ملاحمه على خدود الشمس وزرعا بذوره في حدائق السماوات؟ حب رعاه ملاك وحفره على صخرة الأبد. نفض طائر روحه غبار الغربة وحلق نحو فضاء صفيته وحط بقربها. نظرت مطولاً بدهشة ملؤها الفرح وصمتت تتأمل الحدث الجلل وتتأكد أنها لا تحلم بل تحيا واقعاً لطالما كان من أمنياتهما. تم اللقاء العظيم حيث هطلت أمطار رابطهما وروت كل مروج حبهما الطاهر ثم أشرقت شمس الصبابة والشغف فبعثت قوة الحياة ودفئها من جديد في أفئدتهما. غمرتهما البهجة وشعرا بيد من ملاكهما السماوي يلفهما معاً تحت أنظار السماء، وتدفقت الطيور أجواقاً تغرد أروع أناشيد الحب الوجداني الجميل. مكثا قليلاً ثم عاد كل منهما أدراجه وفي حنايا روحه تحصَن رابطهما الأزلي بعهد أبدي مكلل بثقة لا تموت وحب لا ينكسر وشعلة الوجد والصدق والطهارة للأجيال القادمة...