النهار

وداعاً دكتور فوزي متري
المصدر: النهار - ليليان خوري
وداعاً دكتور فوزي متري
هل حقاً توقف قلبك فجأةً دون سابق إنذار.
A+   A-
هل حقاً توقف قلبك فجأةً دون سابق إنذار.
كيف لهذا القلب الطيب أن يغدر بك، ويخطفك من أحضان عائلتك ومحبيك.
أم استسلم قلبك الصغير بعد هول المعاناة الكبيرة التي ألمّت بكم بعد فقدان أخيك الممثّل فادي متري الذي لم يمضِ على رحيله طويلاً.
اليوم لم يُفجع أقرباؤك فقط برحيلك المدمي، إذ أنّ الحزن يغمر كلّ بيتٍ وعائلة كان لك الفضل في تكوينها، وأضحيت الأمل الذي تعلقوا به كي يرزقهم الله البنين والبنات.
لم تكن طبيباً ماهراً فحسب إنّما كنت إنساناً مميزاً تفرّد بتواضع الكبار والعظماء.
لم يمنعك لقب الطبيب الأشهر والأقدر أن تكون مقرّباً أكثر من مرضاك، فتتشارك وإيّاهم معاناتهم، فتخفّف بلطافتك المعهودة من شعور حزين يكتنفهم بفقدانهم نعمة الأمومة والأبوة.
أذكر أنّني تعرّفت إليك منذ ستة وعشرين عاما،ً بناءً على نصيحةٍ من صديقٍ مشترك شجّعني لاستشارتك قائلاً لي جملة لم أنسها الى الآن: "هو غير كلّ الأطبّاء اذهبي ولن تندمي" خصوصاً وأنّني عانيت من إجهاضٍ قسريّ حرمني فرصة الاحتفاظ بطفلٍ في أحشائي.
حينها كنت شبه فاقدةٍ الأمل. إلّا أنّك ومنذ اللقاء الأول بدّدت كلّ مخاوفي، وضمّدت كلّ جراحاتي النفسية التي تركت آثارها في أعماقي.
أذكر وقتها بادرتني بالقول سنعوّض المرّات الثلاث التي بكيتي فيها في محاولاتك السابقة بثلاث ضحكات "بقّوة الله ومشيئته."
وبالفعل لقد عوّضت عليّ بثلاثة أولاد كانوا بلسماً وعوضاً لما خسرناه أنا وزوجي سابقاً.
لقد أسعدت بيتنا وملأته بصراخ الأطفال المحبّب على قلب كلّ عائلة.
لا زلت أردّد باستمرار لأولادي جملةً قلتها لي مرةً "لن ارتاح قبل أن اجعلك تحملين طفلاً بين يديك."
حين رزقت طفلتي الأولى كتبت لك رسالة شكرٍ مطوّلة تعبّر عن امتنانٍ كبير. أجبتني بكلمات المؤمن "أنا لم أفعل شيئاً، أنا فقط كنت الوسيط بينك وبين الله."
فاجأني هذا الجواب من طبيبٍ متميّز مشهود له بالكفاءة والمهارة يأبى أن يحفظ لنفسه أيّ جميل، أو يدّعي أيّ انتصار في عملٍ جلل لم ينجح فيه أحد قبله، أدركت حينها أنّني في حضرة مؤمنٍ لم تنل من قدسيّته وطهارته آلاف الكتب التي درس فيها، وحصد من خلالها الشهرة والمنصب واللقب.
لقد جعل دكتور فوزي متري من الطبّ رسالة إنسانية إيمانية ارتقى فيها الى مرتبةٍ من التعبّد، خدم من خلالها كلّ البشر دون أيّ تمييز بين دين أو دين، فأحبّه الجميع دون استثناء بعد أن زرع البسمة في كلّ بيت.
إلّا أنّه اليوم مع هذا الرحيل المفاجئ خطف كلّ الابتسامات التي زرعها، وأدمى قلوبنا حزناً وسخطاً، وأبكى عيوننا دمعاً لن ينضب.

ليليان خوري
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium