زادت في الفترة الأخيرة التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان، ولعل الهدف الرئيسي من كل هذه التعاميم محاولة التقارب مع ما يطلبه المجتمع الدولي من تحسينات او تغيرات تتوافق مع النظام المالي العالمي المتبع، ولعل ما يثير التساؤل كثيراً في هذه المرحلة تعديلات التعاميم السابقة وفق تعاميم جديدة، وفي الأخصّ التعميم ١٦٥ وتعديل التعميم ١٥٨.
إن كان جوهر تعديل التعميم ١٥٨، لناحية تعديل آلية السحب من الودائع حيث تم الغاء سحب القيمة الموازية لمبلغ الـ 400 دولار أميركي بالليرة اللبنانية على سعر المنصة البالغة خمسة عشر الف ليرة لبنانية للدولار الواحد والإبقاء فقط على سحب مبلغ الـ 400 دولار "فريش"، هو للجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وبالتالي المحافظة على استقرارها الحاليّ، كما وإعادة سيطرة القطاع المصرفي على العملات في الأسواق اللبنانية لناحية سعر الصرف وفق مبدأ العرض والطلب، إلّا أنّ هذا التعديل قد يكون أيضاً مقدمة لتقليص او إنهاء كثرة اسعار الصرف او المنصات المتعلقة بهذا الشأن وبالتالي الوصول الى سعر صرف واقعي واحد يلبي متطلبات الأسواق كافة، كما يقارب من ناحية أخرى شروط المجتمع الدولي لناحية فكّ الارتباط بسعر محدّد او تحديده وفق سعر ثابت واحد لا غير.
أمّا لجهة التعميم ١٦٥ الصادر مؤخراً عن مصرف لبنان والذي صدر مربكاً ويحمل العديد من التساؤلات، اولها الفصل بين الودائع المصرفية بما قبل وبعد ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩، ثانيهما ضرب اسس قانون النقد والتسليف والذي حدد العمل بالليرة اللبنانية لا غير في التحويلات وغيرها، حيث جاء التعميم الاخير مناقضاً لروح القانون، كما انه قد يضرّ بالقطاع المصرفي ككلّ، بعد الخروج من عباءة المجتمع الدولي والمراقبة المالية على حركة الحسابات والودائع وبالتالي زيادة مخاطر تهريب وتبيض الأموال مما قد يفتح المجال امام عقوبات دولية جديدة، ولعل الهدف الاساسي من هذا التعميم هو اعادة العمل بالقطاع المصرفي والذي ومنذ الازمة الاخيرة عام ٢٠١٩ والقطاع يتخبط في استعادة الثقة الداخلية والخارجية، إنّما هذا وان كان هدفه مالي بحت، الا انه قد يذيب الودائع السابقة لـ ١٧ تشرين، حيث اصبحت مع هذا القانون نائمة ولا يرعاها ايّ قانون او تعميم بهدف استعادتها.
إنّ الوضع المصرفي في لبنان حساس جداً في هذه المرحلة بالذات، فهو بين مطرقة المتطلبات الدولية وسندان الازمة اللبنانية المستفحلة في لبنان منذ ما يفارب الأربع سنوات، وعليه فإنّ لبنان بحاجة لدراسات جديدة وسريعة تعيده الى سكة الثقة والتحسّن المالي والنقدي والذي قد ينعكس بدوره على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للوطن.