صاح الديك، وزقزقت العصافير، ولمع الصباح، وأشرقت الشمس، واستيقظت لبنى، وشربت قهوتها، ولبست الثياب السوداء للذهاب إلى العزاء.
دخلَت قاعة الكنسية، صافحت أهل الفقيد قائلة: "الله يرحمه"، وجلست إلى جانب أصدقائها، والتفتت نحو الجميع، ولم تشعر بوجود حزن، لا من ناحيتها ولا من ناحية الآخرين. لا أحد يبالي بذلك الفقدان، إلّا أهله، وزوجته، وأولاده، وقلائل جدّاً!
أحسّت لوهلة بأنّها في حفلة تقبّل التهاني في الانتخابات البلدية! صينية ضيافة ذاهبة، صينية ضيافة آتية، قهوة وماء وطعام، ودردشات وأحاديث لا تنتهي، أحضان وقبلات "عالرايح والجاييي"، نفاق وتصنّع، ماكياج وثياب ومجوهرات وتسريحات الشعر، ضحك ومزح، ومفرقعات، وإلخ...
والأعظم من كلّ ذلك، الاستغراب العجيب الذي رأته في اللباس الأسود الملزم للنساء، بينما الرجال، فحدّث ولا حرج، لقد ارتدوا ما يحلو لهم من ألوان زاهية وداكنة!
مع العلِم، أنّ اللون الأسود، من أجمل الألوان، ونرتديه دائماً وفي سائر الحفلات والأفراح. لذا نستنتج، بأنّ اللون لا يمتّ للحزن بِصِلَة! لذلك، اتركوا الناس تلبس كما تشاء بطريقة محتشمة داخل الكنيسة، وأوقفوا هذه النمطية من العادات الكاذبة اللعينة!
وأسفاه، هكذا تجري العادة في مجتمعنا، الجميع يخالفني الرأي حول تلك المواضيع، ويقولون إنّ كافة هذه العادات، تصّب في خانة احترام المتوفّي. لا يقنعني تفسيرهم أبداً، لأنّ الميت انتقل إلى حياة أبدية، ولا يكترث لما يحصل على الأرض، ولا يهمّه إلّا احترامهم ومحبّتهم الصادقة له عندما كان حيّاً يُرزق!
من وجهة نظري، أصعب شعور هو فقدان عزيز على روحك وقلبك، فكيف للمحزون أن يرى ويحاكي الناس وهو في حالة من الحزن القاتل ونكران الخسارة! لذلك، أفضّل عدم وجود عزاء ودفن بمشاركة الجميع، وأن يتواجد فقط أهل الفقيد، والأعزّاء على قلبه داخل الكنيسة لحظة مماته، لإتمام كافّة الواجبات الدينية، وتوديعه!
لماذا كلّ هذه "الحركات"، لماذا كلّ هؤلاء الناس، لماذا كلّ تلك العادات البالية التي لا نهاية لها!
شكراً على محبّتكم الزائفة!
كفاكم دَجَلاً، لسنا في حفلة زَجَل!