النهار

دوام العمل والإنتاجية
المصدر: النهار - غريس عطيه
دوام العمل والإنتاجية
نُلاحِظ ُاليومَ في القطاعاتِ الخاصّةِ دواماتِ عملٍ كاملةً من 40 إلى 45 ساعة عملٍ أسبوعيّاً.
A+   A-
نَظراً للوضعِ الاقتصاديّ المتردّي في البلدِ وتداعياتِه على أبناءِ الوطنِ جِئتُ بعرضِ بعضِ الأفكارِ الجيّدةِ والمُفيدةِ التي تراوِدُني.
مِن دونِ شكّ، إنّ أوّلَ ما يتطلّعُ إليه البلدُ في هذه الحالةِ هو دفعُ العجلة ِالاقتصاديّةِ للتقدّمِ في مجالِ الصناعةِ والزراعةِ والتجارةِ والخدماتِ على حدٍّ سواء. فالتقدّمُ الاقتصاديّ يُسَهّلُ عمليّةَ دفعِ الضرائبَ والديون على الدّولة المَصون.
لكنّي أريد اليومَ طرحَ بعض المسائل التي لها الوقعُ الإيجابيُّ على الحركةِ الاقتصاديّةِ وأخصُّ بذلكَ شروط ِالعملِ في لبنان.
العملُ وزيادةُ الإنتاجيّة
نُلاحِظ ُاليومَ في القطاعاتِ الخاصّةِ دواماتِ عملٍ كاملةً من 40 إلى 45 ساعة عملٍ أسبوعيّاً.
هل هذه الدواماتُ تَزيد الإنتاجيّة؟
على الصعيدِ العمليّ:
بعد الغداء، أي فترة lunch break يُصيب الموظّفُ او العاملُ النُعاسَ ممّا يؤدّي إلى انعدامِ الإنتاجيّة (وهُنا ضرورةُ القيلولةِ التي لها آثارٌ ايجابيّةٌ على الصحّةِ الجسديةِّ والعقليّةِ وتحسينِ النومِ الليليّ).
إن كانَ الشخصُ يرغبُ بالخروجِ من بيتِه للقاءِ اصدقائِه أو احبّائِه، فهوَ سيضطّرُ للحفاظِ على الطّاقةِ المتبقيّةِ لديه بما يُعرف ب ENERGY SAVING MODE من خلالِ عدمِ إنجاز العملِ بوقتِه وإرجائِه (procrastination) أو التلهّي كي يستطيعَ القيامَ بالنشاطاتِ اللّازمةِ بعدَ ساعاتِ العملِ الطويلةِ وخاصّةً إن أرادَ ممارسةَ الرياضة.
إنّ تدّني ساعاتِ العملِ يُساعدُ على زيادةِ الإنتاجيّةِ والإبداعِ نظراً لزيادةِ القدرةِ التركيزيّةِ في الدواماتِ القصيرة.
على الصعيدِ الصحّي
عواملٌ نفسيّة وجسديّة: إنّ الخروج ليلاً من المكتبِ أي عدم التعرّضِ لأشعّةِ الشمسِ تتسبّبُ بنقصِ الفيتامينِ د. إنّ نقصَ هذا الفيتامين هو أحدُ اسبابِ تردّي الصحّةِ العقليّةِ والجسديّةِ مَعاً والتسبّبِ بالكآبةِ وبعضِ أمراضِ جهازِ المناعةِ والألمِ الجسدّي.
يَخسرُ المرءُ الكثيرَ من وزنِ عضلاتِه خلالَ ساعاتٍ من الجلوسِ في المكتب.
لا يتوفّرُ النقلُ العامّ في الأنفاقِ ما يؤدّي إلى إطالةِ وقتِ الانتقالِ ذَهاباً وإياباً من المنزلِ بسببِ زحمةِ السيرِ ما يَزيدُ التشنّج.
تنشّقُ الموادِ السامّةِ في بعضِ الأشغال على المَدى الطويلِ لهُ تأثيراتٌ سلبيّةٌ كبيرةٌ على صحّةِ العامِل.
إنَّ بعضَ المؤسّساتِ لا تَدفع بدلَ وَجباتِ الطعام ِللمُوَظّف.
التعبُ وأوجاعُ الظهرِ بسببِ الدواماتِ الطويلةِ هي السببُ الأولُ للتغيّبِ عن العملِ في الولايات المتّحدة الأميركية. للأسَف ليسَ لدينا إحصاءات ودراسات تُثبِتُ ذلك في لبنان.
لا وقت كافياً للرياضةِ أو الهواياتِ خاصّةً للأمّهات.
القَيلولةُ مهمّةٌ جدّاً للصحّةِ الجسديّةِ والعقليّة. إنّ اسبانيا تُعطي أهميّةً كُبرى لِهذا الموضوع إذ تُعطي ثلاثَ ساعاتٍ يوميّاً لوَجبةِ الغداءِ والقيلولةِ ومَن ثمّ يُعاوِدُ الموظّفُ عملَه بَيد أنّ تقليصَ دوامِ العملِ يؤمّنُ القيلولةَ ناهيكَ عن نوعّيةِ أكلٍ أفضلَ في المنزل.
أنّ تدهورَ الصحّةِ الجسديّةِ أو الصحّةِ العقليّةِ لن تزيدَ حِتماً من إنتاجيّةِ العامِلِ فكيفَ إذا اجتمَعَتا معاً!
على الصعيدِ الاجتماعيّ.
هل التركيبةُ الاجتماعيّةُ في لبنانَ وأسلوبُ الحياةِ يُشبهِان الغربَ إلى حدٍّ ما؟
كلّنا نَعلمُ أنّ لبنانَنا ينتمي إلى الشرقِ الأوسطِ ونحنُ في هذا الموقعِ الجغرافيِّ نتميّزُ بعَلاقاتٍ عائليةٍ وإجتماعيّةٍ وإنسانيّةٍ عَريقةٍ.
بَيدَ أنّ هذا الوضع الاقتصاديّ المتردّي يُحتّم على المرأةِ مساندَةَ أهلِها وزوجِها مادِيّاً أحياناً، مِمّا يُلزِمُها التغيّبَ عن أهلِها وعائلتِها طَويلا".
هل نتخلّى عن طريقةِ عَيشٍ اجتماعيٍّة وعائليّةٍ دافئة؟
من يتحمّلُ الضغطَ النفسيَّ الكبير؟ علاقاتٌ اجتماعيّةُ وعائليّةٌ مترديّةٌ تَميلُ إلى الانعزاليّة. أمّةٌ لا تتربّى على راحَتيّ أمّهاتِها فماذا ننتظرُ من الأجيالِ القادِمة!
لِمَ نُلاحظُ زِياداتٍ في زياراتِ أطبّاء ومُعالجي النفس! ليسَ هناكَ إحصاءاتٌ صحيحةٌ تُصنِّف لُبنانَ بِحَسَبِ استهلاكِ أدويةِ الأعصاب.
لم تَعُد النساءُ تَرغبُ في الزواجِ والإنجاب، لأنّ هذا يُرتّبُ عَليهن مَسؤولياّتٍ ضَخمةٍ وضَغطاً نَفسيّاً ومادِياًّ لا مثيلَ له ناهيكم عن تربيّة الأولاد.
التَعَبُ، تَفكَّك المجتمعاتِ وازديادِ حالاتِ الطلاق. لِماذا؟ عَواملُ نَفسيّة (تَعَبٌ وضغطٌ وأرقٌ) وعواملُ ماديّة (رواتب زَهيدة – بَطالة.....).
الابتعادُ عن جميعِ العلاقاتِ الإجتماعيّةِّ والوطنيّةِ والتغيّبِ عن الحضورِ والمشاركةِ في الجَمعيّاتِ والنشاطات ِالإنسانيّةِ والسياسيّة.ِ
أرَدنا التمثّلَ بالغربِ لكنَّ الغربَ يُريدُ التمثّلَ بنا حاليّاً من ناحيّة دواماتِ العملِ والعلاقاتِ الاجتماعيّة. وليتَنا تمثّلنا به بالأمورِ الحسنةِ أي النظامُ وحُسنِ الإدارةِ في قِطاعَي العمل العامِّ والخاصّ. إنّ مُعَدَّلَ دوامِ العملِ القانونيِّ في فَرنسا هو 35 ساعة ًأسبوعيّا. إنّ فرنسا هي من البلدانِ المُصنّعةِ والسياحيّةِ أيضاً. إلّا أنّ ألمانيا المُصنّعة تَبحث بضرورةِ تقليصِ دوامِ العملِ لصحّةِ العاملِ النفسيّةِ والجسديّة.
إنَّ الساعاتِ الإضافيّةِ في الغرب، يمكن قبضها أو تعويضها بأيّامٍ للراحة.
ناهيكم عن موضوعٍ جدليٍّ أوسع وهو "Le droit à la paresse" أو "الحق بالكسل" لن نتطرّق إليه هنا.
على الصعيدِ الاقتصادي.
هل إطالةُ دوامِ العملِ يُحَفّذ الاستهلاك؟
زِيادَةُ وقتِ الراحةِ تُخَّوِل الشخصَ بالتسّوُقِ والاستمتاعِ بالمَقاهي واللّقاءِ بالأصدقاء، ما يَزيدُ من الاستهلاكِ، وبالتالي تحريكِ العَجَلةِ الاقتصاديَّة.
كيفَ يُمكِنُنا تحريكُ العجلةِ الاقتصاديّةِ وهنا أُعطي مثلا":
إن كانَ المُستهلكُ يِتقاضى مبالغ كبيرةً، نَظراً إلى كفاءتِه ودوامِ عملهِ الطويلِ أينَ يَصرِفُها....؟ إذ ليسَ لديه الوقتُ إلّا لشراءِ الحاجاتِ الاساسيّة. وهذا هو سَببٌ من أسبابِ إنعدامِ الاستهلاك الوفيرِ إلّا إذا كانت زوجتُه من المُسرفين (على سبيل المزاح). وإن توفَّر الوقتُ فضّلَ قضاءَ العطلةِ خارِجَ البِلادِ أحياناً.
على صعيدِ البطالة
هل تتدنّى البطالةُ أم تَتفاقمُ مع دواماتِ عملٍ طويلة؟
إن زالت البطالةُ ألا تزيدُ الإنتاجيةُ والاستهلاكُ معاً؟
إنّ البطالةَ ما بين اللبنانيّين تَزيدُ يوماً بعد يوم والحِفاظُ على دواماتِ العمل الحاليّةِ قد تؤدي بالبَطالةِ إلى التَفاقُم.
إنّ َ دوامَ عملٍ ثابتاً بستٍّ إلى سبعِ ساعاتٍ يوميًّا على ألّا تتعدّى ساعاتُ العملِ الخمسةَ والثلاثينَ ساعةً أسبوعيّاً قد تؤدّي إلى فتحِ أبوابِ التوظيفِ كما يُمكِنُ إضافةُ دوامِ عملٍ ثانٍ عندَ الحاجةِ فيتقاضى فيها المُوظّفُ أو العاملُ أجراً يُعادِلُ ساعةً ونِصفَ الساعةِ عن كلّ ساعةٍ إضافيّة (فكيفَ إذا نظرنا إلى الرواتبِ المتدنيّةِ حاليّاً والدوامات الطويلة غير المبرّرة!). في حالِ عَدَمِ قُدرةِ العاملِ أو عدمِ رَغبتهِ في تقديمِ ساعاتٍ اضافيّةٍ يُمكنُ لصاحبِ العملِ الإستعانةُ بمُوظّفٍ آخرٍ من داخل المؤسّسة أو من خارجِها على أن يكونَ هذا الأجيُر لبنانيّاً عاطِلاً عن العملِ في حال كانَ من خارجِ المؤسّسة. كما يُمكِنُه إعتماد دوامَيّ عمل: نهاري وليلي بدواماتٍ لا تتعدّى الستّ أو سبع ساعاتٍ وذلك يُساعد على الحدّ من البطالة.
إنّ إنشاءَ دواميّ عملٍ واعتماد أساليبَ ليّنة بالنسبة لدوامِ العملِ يُساعدُ على الحدّ من إزدحامِ السيرِفي أوقاتٍ محدّدة.
دوامُ عملٍ طويل يؤدي إلى مصاريف كهرباء وصيانة أكبر لربّ العمل بحيثُ أحيانا هي غير ضروريّة خاصّة في بعضِ القطاعات ما يقلّص من الأرباح السنويّة.
دوامُ عملٍ قصيرٍ يَعني تلوّث أقلّ بالنسبة للانبعاثات الغازيّة خلالَ دوامِ عملٍ أقصرٍ في بعضِ المجالاتِ وصحّةٍ أفضلَ للجميع.
أربابُ العمل
ليس من السهل إقناعُ أربابِ العملِ بهذه النظريّةِ إلّا أنّها واقعيّة ومثبتّة علميّاً أقلّه من ناحيةِ الاستهلاكِ والصحّةِ الجسديّةِ والنفسيّة. لكن إن نظرنا للإنتاجيّةِ المُتزايدةِ لدوامِ العملِ المُقترح، سوفَ نَرى الأصداءَ الإيجابيّةَ على أربابِ العملِ والاقتصاد الوطنيّ على حدٍّ سواء.
سَوفَ يَستعيدُ الموظّف حبَّ الحياةِ ويَزيدُ بِذلك الاستهلاكَ.
سَوفَ نَستمتعُ حتما" بأمّةٍ عاملةٍ وناشطةٍ، تتمتّع بروحِ المرحِ التي تستمدُّها من عَلاقاتٍ عائليّةٍ واجتماعيّةٍ وإنسانيّةٍ مُفيدةٍ جدّاً ناهيكم عن صحّةٍ جسديّةٍ افضلَ "فالعقلُ السليمُ في الجسمِ السليم".
والزوجاتُ سوفَ يستمتعن بعلاقاتٍ زوجيّةٍ وعائليّةٍ أفضل.
إنّ أربابَ العملِ سوفَ يُعِوّضون عن تدنّي ساعاتِ العملِ بإنتاجيّةٍ وإستهلاكٍ أكبر.
إنَّ الغربَ وتحديداً فرنسا تتمتّع بإجازةٍ سنويّةٍ تصلُ إلى خمسةِ أسابيعٍ للراحةِ سنويّاً. ليت يُمكننا التمثّل بالغربِ من ناحيةِ النظامِ والتقديماتِ الاجتماعيّةِ وليسَ فقط بدوامِ عملٍ طويلٍ بدأ الغربُ بِتقليصِه. نريد المحافظةَ على علاقاتِنا الشخصيّةِ والعائليّةِ والاجتماعيّةِ والإنسانيّةِ والوطنيّة.
نُريدُ الولوجَ إلى عُمقِنا، نريدُ أن نغذّي نفوسَنا وأرواحَنا. نريُد أن نغذّي ضمائرَكم وضمائرَنا.
ليسَ الجسدُ هو فقط بحاجةٍ للتغذية نُريد جمعَ ما تبقّى من أرواحِنا ومن نفوسِنا. نريدُ أمّةً تُربّي أبناءَها على راحَتيها وعلى قيمٍ باتت تَفقِدُ معانيَها بِظلّ التّعبِ والضغطِ النفسيّ الكبير. نُريد أمّةً تقضي وقتاً مفيداً مع أولادها لأنّ أطفالَها هم مستقبلُ الوطن. نُريد رواتبَ كريمةً لكنّنا حَتمً نُريدُ إنتاجيّةً أكبر.

الكلمات الدالة
إعلان

الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/22/2024 3:23:00 AM
المنطقة وسط أجواء أو تفاعلات حربية مع هوكشتاين ومن دونه، لذا ليس في جعبته ما يعطيه للبنان، كما ليس لأي أحد ما يعطيه للفلسطينيين في هذه الظروف والمعطيات.

اقرأ في النهار Premium