النهار

الإعلام الجندري - الجنساني، صوت آمن لا وسيلة "ترويج"
المصدر: النهار - كاتيا سعد - الإمارات
الإعلام الجندري - الجنساني، صوت آمن لا وسيلة "ترويج"
يلعب الإعلام دوراً في نشر الوعي على الأصعدة كافة
A+   A-
"لا، ما بحب احكي بالموضوع... ما بدّي روّج إلن"، هكذا علّق أحد الإعلاميين في حديث عن إحدى مقالاتي المتعلّقة بالهوية الجنسية والجندرية. "ترويج"؟ عدا أنّ العمل الإعلامي هو أن يكون مرآة المجتمع، فمن مهامه أيضاً التوعية خاصة بالأمور التي تستدعي الدقة في الطرح. وهو حال بعض الإعلام الرقمي، الذي اتّخذ طابع الإعلام الجندري - الجنساني، وشكّل مساحة آمنة للأقليات و"المهمّشين"، والصوت الذي يكسر حاجز المحرّمات، ومصدر ثقة لقضايا الجندر والجنس.
لا تزال بعض "العقول" غير معترفة بمفاهيم تُعنى بالجندرية والهوية الجنسية، وتصرّ أنّها "تابو" و"ترويج" و"عار". وغياب التربية الجنسية خاصة في المجتمعات المحافظة، هو السبب الرئيسي في ذلك، كما تشير مي الحسيني، كاتبة ومدربة متخصصة في التوعية بالثقافة الجنسية. هذا إلى جانب انخفاض الوعي الجنسي، وانخفاض المطالبة بالحقوق الشخصية والمجتمعية المتعلقة بالأقليات "لأن الجهات تخاف من أن تُهدم قيم الأسرة، بدل التفكير بأننا نأتي لتغيير الفكر".
"خطيرة" تتجاوز "التنميطات"
يلعب الإعلام دوراً في نشر الوعي على الأصعدة كافة، ومنها في القضايا الجندرية والثقافة الجنسية والعلاقات. وهو حال العديد من الصحافيين، الذين يتجرّؤون على رفع الصوت حول قضايا "شائكة". ها هي المخرجة أماندا أبو عبدالله، قد أطلقت عام 2019 منصة ""خطيرة Khateera" لتكون "منصة شبابية تُعنى بأمور المجتمع خاصة الأقليات، وتقدّم المحتوى الذي كنا نتمنى لو كان موجوداً ونحن صغار". وإلى جانب المقالات المكتوبة حول الأدوار الجندرية، الهوية الجنسية، العلاقة مع الجسد، الرقص، الحرية، جرائم الشرف وغيرها؛ طرحت المجلة الإلكترونية برنامج "سمعتوها مني" من كتابة أماندا وماريا عليان، الذي يحكي قصصاً "تتجاوز ما يُرسم لها من خطوط وتنميطات": الدورة الشهرية، مفهوم الرجولة، استقلالية المرأة وعملها، والعذرية. أما طريقة التقديم، فهي سردية بقالب كوميدي، فـ "نحن نخبر ما نفكّر به ولا نقدّم المحتوى بشكل معلّب" ؛ وهو ما يساعد الجمهور في فهم المحتوى وتقبّله. ونظراً إلى أنّ فريق "خطيرة" يضمّ مجموعة من الكتّاب والصحافيين من بلدان مختلفة، فهذا يُثري المحتوى. أما الهدف من هذا المحتوى الرقمي، كما تقول أماندا: التمكّن من بناء مستقبل أفضل للأفراد، السماح لهم بالتعبير عن أي موضوع بحريّة، التصالح مع هويتهم الجندرية والجنسية، ومشاركة قصصهم مع الأهل والأصدقاء دون الشعور بالخوف أو الخجل.
الإعلام الجديد: صوت الناس
من جهتها، تتعامل إيليج نون، صحافية في موقع raseef22 ـ قسم "جسد"، مع هذه القضايا بأولوية. وهنا تميّز بين الإعلام التقليدي ومنه المدرسة الأقرب إلى أن تكون "بوق السلطة"، والإعلام الجديد منه المنصات الرقمية التي تعكس أكثر "صوت الناس" و"تحكي قصصاً من قلب المجتمعات: الحريات، الهوية الجندرية والجنسية". وتؤكّد ايليج أنّ هذا الأمر ليس "ترويج"، بل من أهداف الإعلام كسلطة رابعة "وهدفه كسر الحواجز والخوف والقيود التي تكبّل الأشخاص، والاتجاه لدعم الحريات والفئات المهمّشة". تستثمر إيليج قلمها بقصص مجتمع الميم ـ عين ومواضيع الصحة الجنسية والنفسية، من باب التوعية ومناصرة الحرية الشخصية. وتعتمد أسلوب الموضوعية والدقة، بعيداً عن الصحافة الصفراء والابتذال و"ما بعمل scoop على ظهر الشخص". وتدعم مقالاتها بالمعلومات العلمية والدراسات، إلى جانب شهادات أشخاص "ع بالها تحكي عن تحدياتها وهمومها".
وسائل التواصل الاجتماعي تعزّز وعي الشباب
الإعلام الرقمي يلعب دوراً مسانداً لجميع الجهات المناهضة لقضايا المجتمع بشكل عام، وقضايا الجندر والهوية الجنسية بشكل خاص. وتعتبر مي الحسيني أنّ وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية "ممتازة لتناول هذه المواضيع". ذلك لأنّها تصل إلى الجميع خارج الحدود الجغرافية؛ وتوفّر السرية للأشخاص، وتمنحهم حرية لمناقشة المواضيع التي تهمّهم بطريقة آمنة ومن مصادر موثوقة. وتلامس من خلال عملها مع مجموعة من المنصات، أنّ هناك تغييراً في مستوى الوعي والثقافة الجنسية في صفوف جيل الشباب.
وتشدّد مي الحسيني على أهمية التواصل وتقبّل الاختلاف، فالتصالح مع فكرة الاختلافات الجندرية هي خطوة نحو تقبّل الآخر. هذا فضلاً عن الجهود التي تُقام من أجل إدراج البرامج الخاصة بالتوعية الجنسية في البرامج الرسمية في مجال التعليم، والابتعاد عن ثقافة التناقض. هنا تستشهد مي الحسيني بمقولة للباحثة شيرين الفقي من كتاب "الجنس والقلعة"، كيف أنّ الجميع يمارس الجنس ولكن يخجلون الحديث عنه.
من الطبيعي أن يكون الوعي الجنسي هو خطوة مهمة في فهم هويتنا الجندرية أولاً، والتصالح مع ذاتنا ثانياً. وكلما تقبّلنا أنفسنا، سنتقبّل الآخر، وسنتعرّف على احتياجاته. والإعلام الجندري ـ الجنساني بدوره التوعوي، يساهم في تنشيط الدورة الدموية للمجتمع من أجل أن يهتمّ بكل الفئات بعيداً عن الأحكام المسبقة. هو يعمل من أجل الارتقاء بجيل أكثر إدراكاً لنفسه ولغيره، ولا يحرّض على أي شيء غير طبيعي. آن الأوان ليس فقط لكي نمارس كل شيء، بل لنتحدّث عنه أيضاً.




الكلمات الدالة
إعلان

الأكثر قراءة

كتاب النهار 11/5/2024 2:45:00 AM
حالياً، بدأت بيئة "حزب الله" ترصد الضرر الإيراني الكبير على حاضرها ومستقبلها. للمرة الأولى، ولو لأسباب مختلفة، تتقاطع رؤية هذه البيئة مع رؤية البيئات اللبنانية الأخرى...

اقرأ في النهار Premium