جهزت حقيبتي، وأحضرت فنجان القهوة مع قنينة الماء، وانتظرت على الطريق في المقاعد المخصصة للباصات للمواطنين الذين يحملون الهوية اللبنانية فقط! واستعنت بالكُتيّب الذي يحمل كل المعلومات، والأوقات التي تمّر بها الباصات المكيّفة والنظيفة والآمنة في أرجاء وطني العزيز لبنان. بعد غضون خمس دقائق، وصل الباص رقم 4. انطلقت الحافلة أو ما يعرف في "باص الدولة" قرابة الساعة العاشرة صباحاً من ضيعتي نابيه.
طلبت من سائق الباص ومساعدته، التوقف في منطقة الجديدة، وتوجهت نحو البنك لأسحب ما يحلو لي من أموالي التي هي من جنى عمر الأوادم. تمشيت في الأسواق، وشكرت القديسة ريتا على باب كنيستها على كل شيء، ومن ثم دخلت صالون نسائي لتنظيف وترتيب الحواجب.
حان موعد الحافلة رقم 8، التي تنطلق من جديدة إلى صيدا. جلست في الصف الأمامي، وضعت سماعات الأذن، ونظرت إلى الخارج من جهة النافذة لرؤية كل تفصيل على الطرقات. ما أجمل تلك اللحظات مع قهوتي، وسماع الموسيقى، والتمتع بأدق التفاصيل الخارجية المفعمة بالهدوء والسكينة.
وصل الباص إلى صيدا حيث الحياة تعج فيها، أسواق شعبية، وأُناس طيبون عالبرَكة، وأماكن أثرية. طبعاً الازدحام موجود في معظم لبنان، ولكن عندما أكون في الباص، لا هَّم ولا غَمْ؛ فقط استمتع بوقتي من دون التفكير بأي شيء سلبي، كأصغر تفصيل، مثال على ذلك؛ لا دردشات وأحاديث خلال الطريق، لا غيار زيت وقطع للسيارة، لا ازدحام مروري، لا حّر، لا مواقف للسيارة، ولا بالناس، ولا بشيء.
حان موعد الإفطار لأن إفطاري المنزلي في الصباح، كان عبارة عن عروس جبنة بلدية صغيرة، لذلك توقفت عند أشهى فرن في المنطقة لشراء المنقوشة المفضلة لدي منذ الطفولة، منقوشة الزعتر مع الخضرة وبونجيس الهَرَم بنكهة الأناناس. بعد الانتهاء من الفطور، توجهت إلى قلعة صيدا، وانسحرت بالآثار التاريخية على مدى العصور. تمشيت لساعة في الأسواق الشعبية الطبيعية، اشتريت بعض الحاجيات، وصورت المباني القديمة التي ترمز إلى الوفاء والذكريات الجميلة.
دقت الساعة الثالثة، حان موعد الفلافل الصيداوية الأشهر، المحل قريب من موقع القلعة. جلست وفرحت بسندويش الفلافل المفضّلة لدي. تمشيت لعشر دقائق حيث هناك مقهى صغير لمحبّي القهوة اللبنانية/التركية، ارتشفت فنجان القهوة على أنغام صوت السيدة فيروز في المكان. بعدها اشتريت أشهى الكعك والحلويات العربية، مثال على ذلك؛ الكنافة والمعمول المشّكل من رجل مسنّ محبّ، لديه أعرق عربة في صيدا منذ عشرين سنة.
عدت أدراجي إلى جديدة ومن ثم إلى ضيعتي نابيه في تمام الساعة السادسة والنصف. تضفي هكذا رحلات في الحافلة مع نفسي وفقط نفسي، جّواً مفعماً بالجمال والبركة والفرح والطمأنينة والمحبة، وطبعاً من خلال أدّق تفاصيله.
شكراً دولتي على حلمي الصغير!
شكراً دولتي على راحتي النفسية!