كم هي قوية لحظة ارتجاج باطن الأرض فتحرك كل جامد وساكن. تزيح الجبال وتردم الوهاد فتجعلها سهولاً. تُفجر الأنهر وتقلب البحار إلى اليابسة، تُسقط الأبنية والصخور رماداً وتسحق كل الجسور والطرقات، تُغير خرائط العالم فتغدو الدنيا كلها كورقة خريف في مهب الرياح. كل هذا يتم في ثوانٍ معدودة، في هنيهات تهتز بها أعماق الأرض بقدرة الخالق، ولكن الأهم والأعظم من كل هذه الأحداث الخطيرة الجليلة هو ما يتزعزع في الأرواح الضائعة المضللة بعد ركود طويل، فتستيقظ النفوس من كبوة الوهم وتصحو من رقاد الخطأ، فترتد كجَزْر المحيطات لمياهها نحو الأعماق، وتبدأ بمراجعة كيانها وأساس وجودها وسر تكوينها. ترتعد من الخوف فيزيل عنها كل تكبر وتعجرف وتسقط عنها كل مظاهر الكذب والتزلف والاستبداد، كما تعريهم من كل الشهوات القاتلة للإنسانية. إنه زلزال يترافق مع الهزات الأرضية حيث يتذكر المرء رهبة الله وقوته، وأنه مجرد شخص بشري زائل لا أكثر أمام حضرة الخالق وجلالته، وكم أنه إنسان عظيم وكبير إذا سكن قلبه وثبت في الإيمان به وأحبه بصدق. حينما تتزعزع الأرض من تحت أقدامنا ننظر نحو السماء لنناجي الرب كي يحمينا وينقذنا، فنتلو الصلاة له ونتذكره معترفين له بأخطائنا وارتكاباتنا الجارحة لروحه، فنسأله المغفرة والعفو كي نبقى أحياء سالمين.
نعم هو زلزال يضرب الأرض ويهز أعماقنا معاً، علنا نعود إلى رشدنا ونكتفي بما خلق الله لنا، وندرك قيمة القيم والأخلاق والمحبة في أفئدتنا، فنكون صورة جميلة له في هذا العالم؛ نساعد المحتاج بحسب قدراتنا، نبتسم للحزين والمظلوم، لا نستغل أخانا الإنسان ولا نمتلكه بمالنا ونفوذنا، نبتعد عن كل شهوات تؤذي الآخر وتجرح روحه، فنبقى أنقياء بارين لا نهاب الأقدار، مستعدين دوما بهدوء وضميرنا مرتاح لما كُتب لنا. نعم نحن أبناء الله القدير، الرحمة على أرواح سبقتنا إلى السماء ونتمنى الشفاء العاجل للأجساد والنفوس المصابة سائلينه الرأفة والعطف بنا والنجاة من كل المصائب والكوارث.