حين أرادت نادين لبكي أن تخرج أفلامها راحت إلى أحياء بيروت والتقطت أدق تفاصيلها، فاستحقت جوائز عالمية على حسن تجسيدها تلك التفاصيل بطريقة رسمت فيها الملامح الحقيقية لوطنها لبنان، فأبدعت كما أبدع جورج خباز في الجمع بين طوائفه الدينية وطبقاته الاجتماعية ليسخر من تناقضاتها بالتمثيل والغناء والذي سبقه إليه زياد الرحباني بطريقته الرحبانية المميزة.
أما ناصر القصبي فقد انتقد في سلسلته الشهيرة (طاش ما طاش) مواطن الفساد في السعودية وحين استلم محمد بن سلمان الحكم نرى الفنان ناصر يجسد في مسرحيته الرائعة (الذيب في القليب) الصراعات العميقة الناتجة عما أحدثه فيها من تغييرات. ثم لا ننسى عادل إمام بمسرحياته وأفلامه والذي قال عنها: لو أن المسؤولين قد نفذوا ما طالبت به في أعمالي لكانت مصر في أفضل حال. لكن ما حال السوريين وهم يتذكرون فضل الكاتب محمد الماغوط والممثل دريد لحام في شهرة المسرح السوري وكذلك المخرج حاتم علي في أعماله التي رسمت الصورة المشرقة للأسرة السورية وياسر العظمة في مراياه وبقعة ضوء في لوحاتها التي اكتملت فيها صورة الوطن، وغيرهم من رموز التاريخ الفني والتي يجب أن يتعلم منها صنّاع الفن العربي كيف يعالجون القضايا الملحة لمجتمعاتهم بطريقة واقعية بحيادية ومنطقية تعكس الصور الوطنية لمن سئموا توالي الأجزاء ومشاهد العنف والدماء. وختاماً نقول إن كثرة المشاهدات لبعض الأعمال وإشغال بعضها للمحطات والمنصات يدل فعلاً على نجاحها التجاري. لكن اختلافات الرأي حولها بين معظّمين أو منددين بالعمل ذاته إنما يثبت الانقسامات العميقة بين أبناء الوطن الواحد والتي تتفجر على شكل حروب أو أزمات تدمر المجتمعات وأبناءها المتابعين لهم والمستحقين صنع أعمال تمثلهم وتمتعهم وترتقي بهم وبمجتمعاتهم.