من خلال متابعتي للمقابلة مع رنا البساط، بدأت أفهم أكثر صورة وشخصية إلهام كلّاب... هذا المخزون الثقافي (الحضاري) الذي تحمله إلهام لم ينتقل كموروث فطري إلى رنا. لم ينتقل كما تنتقل الموروثات في المجتمعات القديمة. رأيت في ما قدمته رنا هشام البساط الحلاج وبيتهوفنن... رأيت سارتر وطه حسين. رأيت نوال السعداوي وإميلي نصرالله. رأيت فاطمة المرنيسي في ثوب جبيلي... فينيقي، يباع في طنجة ومراكش... شاهدت عوالم إلهام وأحلامها في عقل رنا البساط. بل إن رنا عبّرت عن نفسها من خلال ثقافة اكتسبتها بجهدها ولم تتوارثها. وكأن رنا كانت صديقة لإلهام كلاب ولم تكن ابنة لها... رأيت رنا بشخصيتها المستقلة، وكأن إلهام كانت بعيدة عن رنا ولم تكن قريبة منها... رنا البساط وإلهام كلاب جاران من جيلين لكل منهما طريقه، وله بصمته وخياراته... كنت أتابع المقابلة معها كطفل مشدوه في هذا العالم الذي أدخلتني إليه مرغماً.
رنا أثبتت أن لها شخصيتها المستقلة. لها ثقافتها، لها رؤيتها لعالمها التي تعيش فيه، رنا التي أعرفها لأول مرة أرى انفصالها عن إلهام الذي أعرفها. رأيتها رفيقة لإلهام ولها رأيها وشخصيتها ومجاورتها لإلهام الأم. في كل سؤال كنت أرى أن هناك جديداً تقدمه رنا... كنت أتابع ثقافتها العالية. عقلها الواعي المفتوح للتعرف على كل ماهو مجهول... تعلمت بسرعة من رنا كيفية محاكاتها لذاتها، لألوانها، لطفولتها. تلك الفسحة من البراءة التي لا تبارح وجهها، كانت بعيدة حينما ترسم، حينما تنحت، حينما تحاكي ألوانها والشخصيات التي ستولد من أمومة، تماماً كما ولد السيد المسيح... رنا تحاكي طفولتها بعقل صاعد إلى شيخوخة عمر، هي طفلة تحمل عقل إنسانة أكبر منها. هي عنوان لجيل يفتش عن ذاته في وطن كان لأهله، وطن فقد طفولته. ما بين جبيل وصيدا ولد (حلم طفلة) أضاعت وطناً كان لأبناء المشردين على سواحل عالم غريب... رنا البساط أدخلتنا دون قصد منها إلى عوالمها الفنية المتنوعة، قدمت لنا نماذج من إبداعاتها في الرسم والنحت ولوحات من الفنون التشكيلية. قالت، فسّرت، أوحت، أشّرت، غازلت، صادقت كل شيء خرج من عقلها ومن بين يديها. لم تكن أستاذة في الجامعة... ابتعدت كثيراً عما قدمته أجيال هناك... رنا رسمت تخيّلات وأحلاماً وتطلعات الأجيال الجديدة... قدمت لنا ما لم يقدم في تلك المؤسسات الأكاديمية المعنية بتلقين الموروثات الثقافية التي حملتها جدتي وهي تحرث حقولاً تحتاج إلى غلّتها قي شتاء قاسٍ.... رنا في كل صورة رسمتها كانت لها حكاية معها. وفي كل لوحة او منحوتة نحتتها كان لرنا محاكاة صامتة مع صاحبتها... الحكايات تلك وأسرارها ستبقى سراً يرهق رنا ويحثها كي تستمر في معرفة المزيد من قصص العشاق والمقهورين والمنفيين من وطن أصبح دون هويته، دون طفولته... أطال الله بعمرك رفيقة العمر، معلمتي د. إلهام كلاب، رنا البساط انت رمز وعنوان لجيلك.