أقبل الميلاد وقلوبنا باردة كالصقيع
كتلك الليلة الباردة التي ولد فيها للكون طفل في مزود
والقلوب التي لم تدفئها الحياة
ستبقى تحلم بابتسامة الربيع على ثغر الشتاء.
أقبل الميلاد وبيوت الفقراء ترتجف من البرد
وهي تنظر إلى الشوارع الباكية، تنتظر من يشفق على حالها
فلا ترى غير هذه الحكمة لتواسيها:
"لا غنى كالعقل ولا فقر كالجهل ولا ميراث كالأدب"،
فتعلم أنها والحرمان توأمان وأنه لن يدفئها سوى صمودها.
وأطفال هذه العائلة تحلم بتلك العربة السحرية
التي تجرها الغزلان حاملة الهدايا، وكيف ستأتي تلك الهدايا
وليس في منازلهم من مداخن كي تهبط منها.
وبعد طول انتظار، تعود لتحلم حلماً جديداً
هو وجبة طعام شهية، ديك محشوٌّ أو دجاجة محمرة.
ويتبخر حلمها مجدداً...
فتعلم أنها تعيش في بلد لا يحق لها فيه حتى أن تحلم.
وما فرح العيد وأهلنا وأحباؤنا بعيدون عنا في بلدان بعيدة
ولا نستطيع أن ننعم برؤيتهم ومعانقتهم؟
أقبل الميلاد وحبست تلك الأم دمعتها بعد أن خسرت زوجها
في انفجار المرفأ منذ عامين. وبعد أن قدم لها أولادها
عقداً ذهبياً أخبروها بأنهم اشتروه لها بالمال الذي
كان أبوهم يضعه جانبا لشراء هدايا العيد.
واليوم حين نفكر في عيد الميلاد يحضر في أذهاننا
أهلنا وأحباؤنا البعيدون عنا، وبيوت الفقراء،
وصورة هذه الأم وصورة هدية من المحبة
غيرت حدود الزمان والمكان إلى عالم هو في عيد دائم.
أقبل الميلاد كزهرة بيضاء تشق رأس صخرة صماء
وكبحار من الأسرار قد تجمعت في قطرة.
هو يسوع الذي ولد في بيت لحم منذ أكثر من عشرين قرنا.
هو ذلك التاج المرصع على جبين الدهر
الذي شطر بولادته قلب التاريخ شطرين
يقال لأولهما قبل الميلاد وللثاني بعده.
يوم ميلاد يسوع ارتدت بيت لحم رداء فضياً من نسيج القمر!
وقرية بيت لحم ومعناها بيت الخبز تبعد نحو ستة أميال
جنوبي أورشليم عاصمة أرض الميعاد.
في ذلك الزمن كانت النجاسة متربعة في هياكل اليونان
والقوة الغاشمة مسيطرة على عقول الرومان
وكان الناس منصرفين إلى نخب "باخوس" إله الخمر،
ولاهين في معابد "مارس" إله الحرب.
فهنيئا لك يا بيت لحم هذا السؤدد الذي لم يسبقك إليه أحد.
عندما طلع كوكب السعد المنير فوقك، تحولت من نكرة
إلى علم في معجم البلدان!
لأنك لم تمتلكي شيئاً من قبل سوى قبر راحيل الجاثم عند قدميك.
لكن بعد ميلاد يسوع، أصبحت مذكورة بكنيسة المهد.
بين صراع الظلام والنور ولد يسوع ليعلن انتصار النور
كما أنار ذلك النجم الساطع طريق المجوس الثلاثة:
ملكيور، كسبار، وبلتزار وقادهم من بلاد فارس في المشرق
إلى مزود يسوع كي يسجدوا له ويقدموا له الهدايا.
هذا الطفل السماوي الذي حاربه قاتل الأطفال هيرودس في مهده
فلم يقدر عليه وقد انتزع صولجان الملك من يد طاغية الرومان
ووضعه في يد رعاة الغنم.
هو الغني في شكل فقير ودولة الفقر استمدت غنى من فقره
يوم سجد أمامه البربر ورعاة الغنم.
فكان وهو في المزود أعظم من ألف ملك على ألف عرش في ألف مملكة!