كان صباحه صحراوي الألوان،
وعقارب الساعة تتراقص على الأرقام كأنها أنغام على أوتار الألحان.
كان ساهياً بتأمّل السماء، متعجّباً باستعجال رحيل الليل،
فقال: لطالما كنت أنظر إلى الغيوم المتلوّنة بأشعة الشمس، إلا أنّي كنت من عشاق الليل، لكنه كان في كل مرة يخذلني ويطعن انتظاري بسيف مقاتل وسرعة خيل.
هو الذي كان يتقن فنّ التخفّي خلف قضبان التأمل ليأتي بعدها ويذرف كلماته على أوراقه بالكيل.
فتراه مبحراً في سفينته غير آبه بتعب الأشرعة
ولامبالياً بفخ الأمواج المفزعة.
هو الذي كان يمشى طرقاته ناسيًا ما قد مضى
غير آبه بما سيأتي.
وكأن ذاكرته تتبع مقولة ما فات قد راح وانقضى.
لطالما كانت الصفة التي تعانق مزاياه وتساور شخصيته هي حب الاستكشاف وعطش المعرفة.
فتراه جاهزاً لبلع البحر من أجل النجاة في سفينة رحلته.
فهو من القلائل الذي لا يأبه وحدته
ولا يقاتل من أجل قسمته.
لا أدري قد يبدو لك أحياناً أنه يتشرّب الحزن.
لكنه في الحقيقة يبني سعادة في رحلة بحثه عن ركن،
هو الذي ينظر إلى الشمس بأجفان جامدة.
ويطفئ ناره بيديه دون صرخة أو حتى صوت وكأنها منذ سنين خامدة.
وعندما يأتى الليل مرة أخرى تظنه قد يسجنه خلف قضبان عتبه بكلماته الحاقدة.
إلا أن سطوره تركع لكلمات ليله ساجدة.
تلك السطور التي تتوق للقمر وتتعطش للنجوم وكأن أكوابها من حرقة الشمس فارغة.
لتلوّح له كلماته في الفجر بسكونها وكسرتها واعدة سطوره أنها عائدة.
فيَهُمّ بتأمّلها إلى أن تغيب خلف الشمس، وكأن أعينه لكل شبر تخطيه تلك الكلمات راصدة
وها نحن نعيش في نفس لعنة الانتظار تلك.
فأعيننا التي لطالما كانت تحدّق لوهج الشمس، أصبحت لا تغريها إلا عتمة الليل وكوب من القهوة على سطح ليّن من زجاج.
والأذن التي كانت تستهويها الكلمات، أصبحت لا تسمع إلا لعمق الصمت في صخب الأمواج.