النهار

الإحساس الواحد الصادق
المصدر: النهار - ريمون مرهج
الإحساس الواحد الصادق
غريب ذاك الإحساس وكأنه وتين من روحك موصول بقلبي!
A+   A-
غريب ذاك الإحساس وكأنه وتين من روحك موصول بقلبي! شعور صادق، وإن كذّبه العقل والفم بحروف لغة البشر. إحساس يخترق المسافات البعيدة ما بيننا، ويسبق الزمن في تردّداته نحو أعماقي، فيختلج مع نبضات فؤادي، ويسري في عروقي مع دمي، ليخبرني عن حالك في اللحظات المهمّة: لحظات فرح أو حزن.
عندما كنا نلتقي، ونسرد لبعضنا أحداث الغربة وما جرى لنا من عواصف القلق والألم، كنت أسألها عن أوقات شعرت بها باضطراب داخليّ وهلع كبير عليك؛ فأحياناً كنت أرى في فؤادي صوراً وأنت منزعجة باكية خائفة، وأحياناً أخرى أراك ترقصين في غرفتك، تدورين ضاحكة مبتهجة بحبنا العظيم. وكنت كلّما سردت لك تلك المشاهد بثقة، وسألتك عن حقيقة حدوثها، كانت تلفّك سحابة ممزوجة بالخوف والخجل، تمطر بعدها كلمات الرفض ونكران صحّة ما بُحت به. لكن عينيك وتنهداتك كانت تهمس لي: "نعم، غريب أمر إحساسك كم هو عميق وقويّ في لجّة روحي، يا بحاراً مدركاً كلّ محيطات عالمي وكل موانئ مشاعري وأحلامي!
اليوم، لم نعد نلتقي إلا كالغرباء بين الناس، فحواجز المجتمع كثيرة وقاسية، ولكن تلك الأحاسيس ما زالت، لا بل غدت أقوى وأكثر نضجاً وثباتاً في داخلي، ولن أطرح بعد الآن أيّ سؤال عليك يتحكّم به فكرك وثغرك، بل أصبحت كلماتي متّجهة بصمت دوماً نحو حنايا روحك؛ فهناك الحقيقة ومرقد حبّ عظيم… هناك عالمنا وحريتنا وموطننا الأبدي.
في هذه الدنيا، تتلاقى الأرواح من دون أن تحدّها حواجز تقاليد البشر، ومن دون أن تراها أعين النّاس، لأنها ليست من تكاوين الأرض وسكانها بل هي نسمة من السماء؛ من مهد ولادتها الأزليّ تزهر في الجسد، وتعطر الأفئدة الحسّاسة الطيّبة، ولا يدركها أحد سوى من اتّحدت روحاهما بحبّ وجدانيّ نادر وعظيم.


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium