النهار

المغرب وليبيا في مرمى الكوارث الطبيعية والمواقف الدولية
المصدر: النهار - صبري الرابحي- تونس
المغرب وليبيا في مرمى الكوارث الطبيعية والمواقف الدولية
لم يكن من السهل أن ترى منزلك يتداعى للسقوط
A+   A-
لم يكن من السهل أن ترى منزلك يتداعى للسقوط، لم يكن من السهل فقدان الأهل والجيران والتشبث بأمل الإنقاذ من تحت الركام أو السيول الجارفة. تلك الكوارث الثقيلة على الممتلكات والذكريات وحتى القلوب، والتي ستظل عالقة في أذهان كل ضحاياها وحتى معاصريها.
عرفت كل من المغرب وليبيا خلال الأيام القليلة الماضية أعتى الكوارث الطبيعية خلال ما يزيد عن نصف قرن، فزلزال المغرب أعقبته سريعاً فيضانات ليبيا لتتكبّد البشرية خسائر هامّة حوّلت الأنظار جميعاً نحو هذين البلدين المنكوبين.
زلزال المغرب:
يقع المغرب على منطقة صفائح تكتونية مستقرّة نوعاً ما، ما جعل فرضيات الكوارث الجيولوجية مثل الزلزال العنيف الذي هزّ مدناً مغربية عدّة، مستبعَداً ويصعب توقعه. ففي حين تتواتر الأخبار حول قرابة 3000 قتيل فإن الأمل في إنقاذ الناجين مازل قائماً، هذه المنطقة المنكوبة المتاخمة لمدينة مراكش المشهورة ذات الطابع السياحي المميز في خريطة المغرب تحولت سريعاً إلى كتل من الأنقاض بسبب عنف الزلزال والطابع العمراني للمنازل المشيدة في مناطق جبلية واسعة، ما جعل عمليات الإنقاذ ذات صعوبة بالغة قد تطول لأيام.
فيضانات ليبيا:
ليبيا بدورها عرفت لوقت طويل استقراراً مناخياً جعلها تبدو آمنة من كل تهديد محتمل، غير أن التطرف المناخي وتركز الأعاصير في منطقة حوض المتوسط جعلها في مرمى إعصار دانيال العنيف الذي حوّل مدينة درنة شرقي البلاد إلى مدينة عائمة بسبب التساقطات الهائلة وانهيار سدّين بالتزامن مع الإعصار الذي تفاقمت حصيلة ضحاياه لتصل إلى أكثر من 5000 ضحية فضلاً عن آلاف المفقودين الذين ما زالت جهود الإنقاذ متواصلة للعثور على ناجين.
هذه الكوارث، وإن كانت طبيعية، يصعب توقع حدّتها، ألقت بظلالها على الساحة الدولية وتحول معطى التدخل الإنساني إلى موضوع سياسي بحت كشف المواقف والتحالفات وحتى بعض ردود الأفعال بين السيادية الصرفة والعدائية المفترضة.
تقديم المساعدات الإنسانية وردود الأفعال الدولية:
تواترت بيانات التضامن على أعلى مستوى بين الدول وتقدمت الكثير منها بعروض المساعدات وانتفت خلالها حتى بعض الخلافات التاريخية أمام أهمية التضامن الإنساني خاصة بين الدول الشقيقة، حيث تغلّب المشترك الحضاري على كل توتر قائم أو متوقع لكسر جليد القطيعة الديبلوماسية التي طالت بينها. ففي حين رحّب الجانب الليبي بكل المساعدات الإنسانية الموجهة إلى المنطقة المنكوبة فإن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة استثنى منها المساعدات الغذائية حفاظاً على كرامة شعبه المنكوب، كما ألقت أزمة الحكم بظلالها من خلال حكومتين للبلد نفسه، تربط كل واحدة منها اصطفافات لمحاور مختلفة، فضلاً عن حصيلة الحرب الأهلية لأكثر من عشر سنوات وما خلفته من أضرار على البنى التحتية، إضافة إلى التركيز كلياً على التنازع المسلح بين أبناء الوطن الواحد.
المغرب أيضاً رحبت بالمساعدات لكنها اعتذرت عن قبولها كلّها وفقاً لضوابط تراها مجدية لتسهيل عمليات الإنقاذ، حيث برّرت قبولها لمساعدات كلّ من الإمارات وقطر وإسبانيا والمملكة المتحدة بأنّها ستكون مساعدات تقنية بحتة وفقاً لتنظيم النجدة برؤية مغربية موضوعية.
غير أنّ هذا الموقف اعتبره كثيرون ردّاً عدائياً تجاه دول بعينها تعيش منذ سنوات خلافات جوهرية وتنازعاً حول المصالح في المنطقة أساساً وتحديداً دولة الجزائر.
أكثر دعاة هذه السردية تطرفاً هو الإعلام الفرنسي الذي شنّ حملة كبرى على الموقف المغربي واعتبره لا يليق بدول الجوار التي كانت لوقت طويل علاقاتها الديبلوماسية مستقرة. لكنّ البحث عن الإمتدادات الإقليمية والتحالفات الاستراتيجية كانت مبرراً موضوعياً لمحللي الموقف المغربي. فمنطقة شمال أفريقيا بما تمثله من مستعمرات سابقة لفرنسا جعلتها تعاني لوقت طويل من هيمنة استعمارية قديمة جديدة، حتى من خلال تقاطع المواقف في خصوص قضايا شائكة وعلى رأسها النزاع حول الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر.
كما لا يخفى على أحد أنّ المصالح الفرنسية أصبحت مهدّدة أكثر من أيّ وقت مضى بعد الاضطرابات التي عرفتها كل من النيجر وبوركينا فاسو ومالي والتي رفعت جميعها لواء مناهضة الإمبريالية الفرنسية والتحرّر من كل أشكال هيمنتها التاريخية، هذه المستجدات تجعل فرنسا في حاجة ماسة لدول شمال أفريقيا، خاصة في ظلّ حشدها للدعم الدولي لتنفيذ تدخل عسكري في النيجر لإرجاع المسار الديمقراطي إلى جادته حسب رؤيتها، والقضاء على زعامات الانفصال الجيو استراتيجي عن فرنسا، وتهديد مصالحها في مناطق واسعة من وسط أفريقيا.
لكنّ الثابت أن أيّ دولة منكوبة بسبب التطرف المناخي أو صراعاتها الداخلية وترفض المساعدات هي دولة بصدد الدفاع عن سيادتها الوطنية أمام تسابق القوى الإقليمية للإنجاد الإنساني الذي يخفي في ما يخفيه تقاطعات مصلحية واستمالات استراتيجية لمحاور معينة.
هذا الموقف لا يمكنه نسف المشترك الحضاري والإنساني بين الشعوب، ولا يعتبر سياسة خارجية عدائية بقدر ما يعني الشجاعة في الإفصاح عن الموقف دون هواجس الفشل في إدارة الأزمات وفتح الباب أمام أجهزة معادية تستغلّ مثل هذه الفرص وتهيّئ لها الأسباب أحياناً.
ولعلّ جائحة كوفيد 19 قد عرّت من خلال سلاح التلاقيح الدعاية السياسية وتقاسم الأدوار وإمبريالية المساعدات الإنسانية لإعادة تشكيل الخارطة الإقليمية وتشكيل تحالفات جديدة وتكتلات اقتصادية تحت عنوان يستوجب الاحتراز دائماً وهو المساعدات الإنسانية التي قد تكشف هواجس الميتا إمبريالية التي لا تتخلّف عن الامتداد والتوسّع تحت عناوين وواجهات عدّة.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium