فيلم "Intouchable" إنتاج عام 2011، عن كتاب يروي قصة حقيقية صدر عام 2001 بعنوان Le second souffle""، لـ"فيليب بوزو دي بورجو" رجل أعمال فرنسي، قضى باقي حياته بإحدى ضواحي الصويرة بالمغرب، وتوفي بها في 2023. وفيلم "Me before you" إنتاج 2016، عن كتاب بنفس العنوان صدر عام 2012.
في الغالب الكتاب والفيلم الثاني مأخوذان عن الكتاب الأول؛ لتشابه التيمة الأساسية للقصة. فالبطل الأول، وهو رجل في القصتين، ينحدر من أسرة عريقة ارستقراطية، ثرية ثراء فاحشاً، إذن فلا توجد أي مشاكل مادية. كان بطلاً رياضياً ونشيطاً للغاية، ويقوم بالكثير من المغامرات، رجل أعمال ناجح ولامع في مجاله، تعرض لحادث أصابه بشلل رباعي، فصار مقعداً تمامًا لا يتحرك منه غير رأسه، سجين كرسي مدولب من أحدث طراز، يتعامل بأزرار الريموت كنترول مع كل شيء حوله. البطل الثاني وهو فتاة في القصة الثانية، ورجل في القصة الأولى تتشابه ظروفهما إلى حد كبير، كلاهما ينحدر من أسرة فقيرة في حاجة ماسة إلى المال والعمل، من طبقة شعبية على النقيض من الطبقة الارستقراطية في كل شيء. كلاهما تم تعيينه رغم انعدام مؤهلاته العلمية والعملية في التعامل مع هذه الحالات الخاصة، لكنه يتمتع بخفة ظل ومرح رغم ظروفه، يتعامل بالسخرية مع ما يقابله من مواقف صعبة، لكن الحياة النابضة في أفعالهما البسيطة التلقائية كانت السبب الوحيد لقبولهما في العمل، وكانت السبب أيضًا في أن نرى البطل الأول الذي يعيش في كآبة وملل، ويأس، ولا يبتسم، يتخلى عن عجرفته وكآبته، ويبتسم بعد فترة قليلة من التعامل معهما، وتعود إليه الحياة من جديد.
ثمة اختلاف بين الكتابين، فالكتاب الثاني روى القصة من وجهة نظر أكثر رومانسية، لتدور بين رجل وامرأة، وانتهى نهاية مأساوية رغم الحالة العاطفية الناعمة للفيلم. واختلاف آخر أكثر أهمية أن الحياة يمكن أن تستمر رغم كل المستحيلات، ليس فقط بالإرادة، لكن بمن يساندنا، ويوقظ ما نظن أنه مات بداخلنا، بخاصة لو قتلنا اليأس وفقدان الأمل، وقبل كل شيء بتقبل الواقع الجديد الذي فرضته علينا الظروف، والتعامل مع وضعنا الجديد مهما قلت إمكانياتنا وقدراتنا.
ورغم أن هذا ما حاولت بطلة الفيلم الثاني عمله، إلا أن البطل أصر على خطة إنهاء حياته، لأنه لم يتقبل واقعه الجديد، لم يتقبل عدم قدرته على الحركة بعدما كان بطلاً رياضيّاً، ولم يتقبل فكرة وجود من يحبها دون ممارسة الحياة معها بشكل طبيعي. وكانت هذه رؤية متشائمة للكاتبة، أو ربما وجهة نظرها كامرأة، وضعت نفسها مكان البطلة وقررت أن الحياة بالنسبة لها لن تكون مُرضية أو كافية، ولكي لا تنتزع الروح الرومانسية من العمل، ولنظل نتعاطف إلى آخر لحظة مع البطلة جاء القرار من البطل، وقرر إنهاء حياته.
بينما في القصة الأولى، وهي قصة حقيقية رواها صاحبها، تقبل واقعه، وتعامل معه بمساندة مساعده الذي تحول إلى صديقه ورفيق مغامرات مثيرة، وأعمال بها شيء من التهور، ظن أنه لم يكن ليقدر عليها، لكنه قام بها، فرأى أن الحياة لن تنتهي عند حدود كرسيه المسجون به، فالسجن يكون للأفكار قبل الأفعال. وسلمه صديقه إلى رفيق آخر في الحياة، وهي زوجته الثانية مغربية الأصل، عاش معها وأنجبا طفلين، وساعدته هي الأخرى على أن يرى أن الحياة لم تنتهِ بل استمرت، واستمر فيها برؤية جديدة، لأنه صار شخصاً جديداً، لنرى أن الواقع قد يكون أجمل من الخيال على غير العادة.
من الأشياء الجميلة والملفتة والتي يجب تدريسها لمن يتعامل مع أصحاب الحاجات الخاصة والإعاقات، التقليل من العطف والشفقة، والاتجاه إلى تعزيز الثقة بالنفس والاستقلالية، والبدء في التعامل مع الوضع الذي تفرضه عليهم الظروف، وهذا ما نجده في القصتين عندما تعامل المساعد للبطل بندية ودون شفقة على البطل القعيد، بل أحيانًا يحول المأساة إلى شيء من المرح والفكاهة دون مضايقته. بخلاف أصحاب المؤهلات العملية والشهادات الأكاديمية، والدورات المهنية، والتي رغم أهميتها تفتقر إلى الجانب الإنساني، فتزيد من فقدانه الحركة إلى فقدانه الحياة.