النهار

زمن اغتيال الطفولة والإنسانيّة
المصدر: النهار - ريمون مرهج
زمن اغتيال الطفولة والإنسانيّة
لقد سُحقت الأرواح وبقيت الأجساد تتنفس فغدونا كالطيور الداجنة في المزارع نمضي نهارنا لنعمل، نأكل وننام.
A+   A-
لقد سُحقت الأرواح وبقيت الأجساد تتنفس فغدونا كالطيور الداجنة في المزارع نمضي نهارنا لنعمل، نأكل وننام.
لقد جعلونا مجرد أعداد بشرية تحيا في الارض لا قيمة لها ولا معنى لوجودها سوى استثمارها لتكون قطعاناً من التجارب تمشي حسب طلبهم ومخططاتهم. انتزعوا من قلوب أطفالنا كلّ ما يمتّ الى السلام والقيم والإيمان. فكلّ ما يحسبونه تطوراً في مجال التكنولوجيا غدا قاتلاً للروح. فالهاتف الخلويّ وشبكات التواصل الاجتماعي على أنواعها، برامج الألعاب الإلكترونية الممتلئة برسائل الكفر والإجرام بالشهوة وبالرعب، والأفلام المدسوسة بالرسائل المبطنة لاغتيال الإيمان والقيم في مجتمعاتنا وغيرها أمور كثيرة أصبحت ملاصقة ليومياتنا، لحياتنا، تنهش الإنسان فينا وتصنع منا مجرد أشخاص مسيّرين حسب برامجهم العالمية ليروّضوا الأنفس على مزاجهم، والأخطر من كلّ هذا فهم يحلّلون كلّ ما هو مدمر للروح، من الشذوذ، الى القتل، الى انتهاك القيم وتدمير العائلات بحجة الحرية الشخصية وصولاً إلى محو كل المعاني الحقيقية لجمال الحياة ووجودها.
لقد افتقدنا في أيامنا هذه كلّ ما يربطنا بالله والسماء، فأضحت الأحاسيس والمشاعر في داخلنا مجرّد شهوات ونزوات. صرنا نفتقد التأمّل في بهاء الطبيعة، فما عدنا نراقب الشمس وغروبها أو ننظر الى الجبال وروعة خضارها، ما عدنا نلاحق الفراشات ونقطف الأزهار ونترقّب ظهور الحيوانات البرية في الحقول. لقد اغتالوا في أعماقنا الخيال والأحلام وتحوّلت عقولنا إلى المواضيع المادية فقط، فلم نعد نهوى الرسم أو الكتابة أو الألحان الشجية المصقولة من معجن أرواحنا. لقد انتزعوا المحبة والرحمة والاحترام من صدور أولادنا، وهنا الجريمة الكبرى وبها يحقّقون أهدافهم العالمية الشيطانية.
شتان ما بين حياة الطفل في الأمس القريب وحياته في أيامنا هذه. في الأمس كان يلهو، يركض في الحقول، يبني البيوت من الحصى، يتمرّغ مع رمال الشطآن، "يشخبط" على الحيطان بألوان وأشكال، يصنع الطائرات الورقية المزركشة، يلعب مع رفاقه في الكرة ويتسابقون في الركض وتسلق الاشجار، يتحدثون معاً عن أحلامهم، عن المستقبل وهواياتهم، يصلّون بتقوى، بحبّ كبير وأعينهم شاخصة نحو السماء يكلمون الله كأنّه رفيقهم العزيز، وفي المساء يجلسون مع أهلهم فتجتمع العائلة معاً يتناولون العشاء والجو مليء بالفكاهة والفرح، فيتحاورون بعاطفة وسعادة كبيرتين. يراقبون النجوم والقمر ويحمدون الله على عطاياه قبل النوم.
أطفالنا اليوم نغتال فيهم المحبة والبراءة والسعادة فلا نوليهم الاهتمام اللازم ولا نحضنهم ونجالسهم كما يجب بحجة الظروف والعمل والسعي لجني الأموال، فلا نجد الوقت اللازم لهم.
عدم الاهتمام بأطفالنا وتجاهلنا مشاعرَهم يزيل من قلوبهم مغزى المحبة والرحمة وأهمية التواصل المباشر مع أخيهم الإنسان، ليغدوا شباباً مميزين أقوياء مثقفين مرهفي الإحساس، ركناً أساسياً لوطنهم وللأجيال القادمة.


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium