النهار

لن أتنازل
ننتظر الغد كما تنتظر البنفسجة البيضاء قدوم الربيع،
A+   A-
ننتظر الغد كما تنتظر البنفسجة البيضاء قدوم الربيع،
ونفرح بالحياة كما يفرح باطن الأرض العطشى بالأمطار.
وكما الأموات تدفنها أيدي الأحياء، كذلك ترقص الأحياء على تصفيق أيدي الأموات، كما يرقص خريف العمر في أوراق أيامهم المتبقية.
وبين رقصة الأحياء ورقصة الأموات كلمات لها أنامل تبصر
وكلمات أناملها عمياء.
فالكلمات اللطيفة تحيا وراء الموت لأنها تحيا في القلوب،
والكلمات السامّة تموت في أجواف قائليها.
فما هذه الكلمات؟ أهي كنسيج العنكبوت أم كالنور البنفسجي؟
وبين صغار النفوس وكبارها، كلمات يجب ألا تقال وإلا قتلت شعوباً.
أن نحيا بالكلمات أو أن تغتالنا، هي تقف بين شريعة الأرض وإرادة السماء.
ومن اختارته السماء نصيراً للحق، لن يتنازل عن كلمته ويبقى عليها، لأنها الضمير الخفي نخالفه فيوجعنا ونخونه فيقضي علينا.
لن أتنازل ولن تقوى على مواجهتي لأن كلماتك كشذى الطين المتطاير تلطخ المكان، وكلماتي كبلسم يطيب الجراح.
لن أستمع الى سمومك المنبعثة من جوفك كمستقنع ملوث بالجراثيم.
وكيف أتنازل لمن أسلوبه أشبه بالبربرية منه بالارتقاء.
لن أكون أسيرة لانتقاداتك. إن عزة نفسي تبدد كل ما تصوبه نحوي الى حطام وأشلاء. فكلماتك وسمومك وانتقاداتك سترتد عليك كالأفاعي الملتفّة لتطوقك بالقيود وتعيقك من الحراك.
لا يمكنك أن تنقص من قدري ومقدرتي لأن الجمال الوحيد
الذي لا يمكن مقاومته، هو إيماننا بالمستقبل والسعي الدائم والمثابرة لتحقيق المثل العليا. والندرة الوحيدة في الوجود هي ضمير الإنسان، وجه السماء الباقي. ومن لا يملك الضمير ليس له ما يتفاخر به.
إن نفوسنا القوية كاللباد في الأيام العاصفة، لا ترضخ ولا تتنازل ولا تستسلم.
وهي تمتلك الشجاعة لترمي كل من يتجرأ على إهانتها
أو التقليل من شأنها أو العبث بمشاعرها وكرامتها.
فالويل لمن يحاول. الويل لكل خاضع لأصنام حسده.
وقد قال القائد العالمي "سابوتاي" لزعيمه جنكيزخان يوماً:
"سأدرأ عنك خصمك كما يدرأ عنك اللباد لفح الريح".
لن أتنازل لأن الطلب الذي يأتي متأخرا مرفوض،
فهم قد أجلسونا على المقاعد الاحتياطية منذ البداية،
وفي هذه الحياة إما أن نكون الأساس أو لا نكون.
إن الألسنة التي أخرستها الإنسانية، تتكلم بالجهالة
لأولئك الذين يسممون القلوب بالأكاذيب.
وهي كالأفعى الجهنمية التي وشت بنا إلى الخنازير،
وأغاني الملائكة لا تدخل آذاناً مسدودة بالافتراءات.
لن أتنازل لأن من يتنازل مرة سيعيش حياته مطأطئ الرأس مهزوماً.
ومن تسلق الجبال الوعرة وصارع العواصف، لن يتنازل.
وأخيراً، فلنردّد مع الشاعر قوله:
"اذا أتتني مذمتي من جاهل فهي الشهادة لي بأني كامل"



الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium