"ما زلت عالقاً بين الأمس والحاضر بين الحزن والفرح بين وطني القديم والحاضر... هل أنا ميت؟ هل أنا أنتمي إلى ذلك الوطن البعيد؟".
إنها كلمات وتساؤلات رددها لاجئون وأعادها مهاجرون غير شرعيين، حيث إن الفئتين تنتميان إلى مجموعة ابتعدت عن وطنها الأم للحصول على فرصة نجاة وأمل في مستقبل.
لعلّ الهرب من وطن إلى آخر ونقل معاناة وذكريات دمار، أمر إنساني واجب التضامن معه، إلا أنه قد يُثقل على البلاد المضيفة ويعزز خرابها أمنياً واقتصادياً وسياسياً.
إن اللجوء السوري كان الأكبر في المنطقة منذ اندلاع الحرب عام 2011، إلا أنه ومع تعدد الحروب في مختلف أقطاب الأرض نرى أن اللجوء يجمع الجنسيات، من أوكرانيا إلى بلاد مجاورة كبولندا، من كاراباخ نحو 19000 لاجئ دخلوا أرمينيا بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من أفغانستان إلى باكستان ومن بلاد إفريقيا كغينيا والسودان نحو الجزر الإيطالية وأوروبا.
ومع ارتفاع نسب اللجوء ترتفع بالتزامن نسب الهجرة غير الشرعية والدخول إلى البلاد المضيفة بطرق غير شرعية. ففي lampedusia إيطاليا دخل بصورة غير شرعية عدد لا يستهان به من اللاجئين، ما أدى إلى وجود 4000 لاجئ في مخيمات معدة لاستقبال 400 فقط، وفي أوروبا سُجل العدد الأكبر للمهاجرين إليها منذ عام 2016 حيث بلغ عام 2023 أكثر من 11 ألف شخص، وفي ظل التساهل على الحدود الإيطالية دعا مؤخراً الرئيس الفرنسي الحكومة الإيطالية للتشدد على حدودها وصرّح أن التضامن واجب إنساني إنما أوروبا ليس عليها تحمّل مآسي العالم أجمع.
والهجرة غير الشرعية، تطال بلداناً غير أوروبية أيضاً كتونس التي تسبّب التشدد على حدودها بمقتل 24 أفريقياً على الأقل لمنع دخولهم حدودها وتركهم في الصحراء على الحدود الليبية دون مأكل ومشرب، بحسب ما جاء في تقرير إلكتروني لقناة tf1 الفرنسية، وأيضاً في باكستان توقيفات بالعشرات للأفغان غير الشرعيين في البلاد، وصولاً إلى الداخل اللبناني الذي يشهد هجرة غير شرعية لشبابه عبر قوارب الموت بسبب تردي الأوضاع والأمن فيه، كذلك في المقلب الآخر يشهد دخولاً غير شرعي للاجئين سوريين الذين بلغ عددهم فيه أرقاماً لا يمكن للبنى التحتية ولا للاقتصاد اللبناني تحمله بعد الآن.
الوجود السوري غير المنظم في لبنان وصل ذروته وأدى إلى ازدياد الاحتقان بين السوريين واللبنانيين المنهكين جراء صعوبة العيش، فاشتباكات عده شهدتها مختلف المناطق اللبنانية في الأسبوعين الماضيين كالدورة، بيصور وجديدة المتن وغيرها من المناطق ما دفع البلديات لإعادة التشدد ومنع العمالة السورية غير الشرعية وتنظيم وجودهم في نطاق البلديات المختلفة.
إن هذه التدابير أو التشدد المتأخر ليس بقدرتها مواجهة أزمة لطالما تعامل معها النظام السياسي اللبناني بسياسة اللاسياسة. إن اللجوء حق لكن البلد المضيف واجبه الحفاظ على القدرة الاستيعابية فيه وحماية اقتصاده حرصاً على أمنه ومجتمعه.
لم يقدم لبنان حتى الساعة حلاً واقعياً للتصدي، كما أنه ومنذ عدة سنوات تصطدم إدارة الدولة اللبنانية بملف اللجوء بإشكالية التعامل مع النظام السوري المحكوم بالانقسامات السياسية الداخلية المتضاربة. ورغم أنه باتت مناطق عدة داخل سورية آمنة للعودة، إلا أن أسباب عدة من الداخل السوري ومن ناحية اللاجئين يمنع ذلك ويستبعده، فإما لخوف السوريين من مواجهة النظام بعد التهرب من الخدمة العسكرية أو لعدم ترحيب النظام بعودة اللاجئين ذوي الأغلبية السنية إلى المناطق ذات النفوذ السني التي حقق فيها الأخير نتائج عسكرية ميدانية متقدمة، وهذا تحليل من عدة تحاليل مطروحة، كما أن النزوح الداخلي للمناطق الآمنة هناك بات يشكل عقبة لرجوع اللاجئين من لبنان إلى سوريا.