مسألة السّاعة التي يضجّ بها البلد، برأيي، ليست مسألة دينيّة ولا يجب تداولها بعصبٍ طائفيّ، فالمشكلة الأساسيّة هي في بُعدٍ آخَر. المشكلة الأساسيّة هي بنوعيّة المسؤولين لدينا، وبنوعيّة وَعيهم لأبعاد مسؤوليّاتهم على جميع الأصعدة وفي كافّة المجالات؛ والمشكلة الأساسيّة هي أيضاً بطريقة تعاطيهم مع عمق الأزمة وتشعّباتها الخطيرة. المشكلة هي في الاعتباطيّة والتسرّع وتغليب المصلحة الضيّقة. المشكلة هي بقصر النظر والتفرّد بأخذ القرارات من دون أخذ الوقت الكافي للتفكير والتّمييز والتخطيط والتّشاور لحسن اختيار ما هو جيّد، وما هو مناسب، وما هو مفيد للخير العام لا الخاص. هل من مسؤولين لدينا أثبتوا أنّهم على قدر المسؤوليّة الوطنيّة والقرارات المصيريّة؟!
هل من مسؤولين لدينا احترموا توقيتَ إعادة الانتظام إلى حياتنا ووطننا كي يعوا ويحترموا أيّ توقيت آخز؟!
هل من قرار حيويّ ومفيد تمّ اتّخاذه بوعي ومسؤوليّة خدمةً لخير الفرد والمجتمع اللبناني؟!
فلِمَ العجب؟! ولِمَ الصّدمة؟!
المشكلة الأساسيّة هي أيضاً في اختيار المسائل التي تعتبر ملحّة، وتستدعي الاتّفاق السّريع. كلّ المسائل التي تهدّد الحياة وتفرّط بالحقوق والموارد تُدرَس على نار باردة أو تُرمى في طيّ النّسيان، ولا يشرئبّ فيهم الحماس للإسراع إلى معالجتها. تدهور العملة الوطنيّة ومعها حياة المواطن والوطن والمؤسّسات قضايا لا تعتبر ملحّة. انقطاع الغذاء والدواء وتعثّر العلاج والموت على أبواب المستشفيات، زعزعة القطاع التّربوي والقطاع المصرفي وتهديد المجال البيئي، أزمة الماء والمحروقات والكهرباء كلّها ليست ملحّة ولا تستدعي العجلة. تعدّد الانتماءات وتهديد الهويّة الوطنيّة اللبنانيّة، السّلاح المتفلّت وغير الشّرعي، السيطرة على الدولة والاستحواذ على قراراتها، تهريب مواردنا من دون أيّة ضوابط وتهجير طاقاتنا، كلّها لا تعتبر أموراً ملحّة تستدعي الاستعجال في الاتفاق وأخذ القرار. وصولنا إلى القعر، تحويل جنّتنا جحيماً، تفجير أهلنا وعاصمتنا وطمس الحقيقة والتحايل على العدالة، كلّها لا تستدعي العجلة وكأنّها ليست الأكثر إلحاحاً!
تكريس الفراغ على أكثر من مستوى، زعزعة الثقة ودفع المواطن إلى اليأس لا يستدعي الاجتماع والاستعجال قبل أن يستعجلَ المواطنُ ساعتَه!
كلّ هذه الأزمات والمخاطر تهدّد الحياة وتهدر الحقوق ولم يعتبرها مَن هم في موقع المسؤوليّة أولويّة وقضيّة ملحّة تستدعي قراراً عاجلاً. وأمّا السّاعة...آه من تلك السّاعة! ويا ربّ نجّنا من تلك السّاعة وارحمنا وأعتقنا ممّن يتلاعبون بساعتنا ومصيرنا، ويهدرون وقتنا وعمرنا بحسب التوقيت المحلّي والعالمي بعيداً عن أيّ منطق ودون أيّ حلٍّ وأيّ انتظام.
ويا وطني أثبت، وقاوم مَن ينتظرون دنوّ ساعتك، ولا تسمح للمتلاعبين بتحويل وقتك وعمرك عن غاية وجودك ورسالتك.
من الرّبّ نطلب.