النهار

في اليوم العالميّ لمناهضتها، الإمبرياليّة تجدّد نفسها
المصدر: النهار - صبري الرابحي-تونس
في اليوم العالميّ لمناهضتها، الإمبرياليّة تجدّد نفسها
تنوّعت أشكال الامتدادات الاستعمارية للدول
A+   A-
في اليوم العالمي لمناهضة الإمبريالية تتواصل مساعي القوى الكبرى لتأبيد سيطرتها وتأثيرها على الدول، وتداوم على مصادرة حقّ الشعوب في تقرير مصيرها. هذه المساعي أخذت في التوسّع شيئاً فشيئاً، وزاد في نهمها الركود الاقتصادي العالمي وتبعات جائحة كوفيد 19 وخاصّة النزاع الروسي الأوكراني.
إنّ المد الإمبريالي اليوم والذي يستفيد من النزاعات المسلحة في العالم، يمتد أيضاً إلى التخفّي في أثواب أخرى مغايرة متداخلة مع الشأنين الثقافي والحضاريّ، وأحياناً المساعدات الاقتصادية لإفقاد الشعوب هويتها وسلبها سيادتها وقرارها المستقل.
وبالتالي تنوّعت أشكال الامتدادات الاستعمارية للدول، سواء في مستعمراتها القديمة أو في مستعمرات جديدة مستحدثة وجدت فيها موضعاً للقدم بسبب أزماتها الداخلية أو تأثرها بالأزمات العالمية بموجب العولمة.
خلال جائحة كورونا:
خلال جائحة كورونا تسابقت الدول الاستعمارية الى الظفر بالتلاقيح اللازمة لتمارس بها نوعاً جديداً من الابتزاز العالميّ المحتكم الى التحالفات والمصالح، لذلك انتشرت اللقاحات الروسية والصينية والأميركية في العالم حسب خريطة معلومة مرتبطة رأسا بتحالفات الدول التي أثبتت الرغبة في امتلاك اللقاح عدم انحيازها.
من ناحية أخرى كان لبراءة الاختراع الأثر الأكبر في تحديد الطفرة العلمية والصناعية التي تتنافس داخل دائرتها هذه الدول، والتي ستحدّد مستقبلها ومكانتها ،واستطاعت أن تحوّل حالة الطوارئ الصحية إلى حالة طوارئ استعمارية من خلال بحثها المحموم على مجالات أوسع للانتشار والتموقع وإعادة رسم خريطة العالم.
خلال الحرب الروسية الأوكرانية:
لم يعد ينطلي على أّحد أن الانحياز لطرف دون الآخر يُبنى على أسس موضوعية صادقة في تجنيب الإنسانية أحد الحروب المعاصرة التي أثّرت بشكل كبير على الاقتصاد العالميّ، خاصة بتزامنها مع بداية تعافي الاقتصاديات من تبعات أزمة الكوفيد 19. لكنّ هذه الحرب بالذات جعلت من الأطماع الإمبريالية مكشوفة أكثر من أيّ وقت مضى، باعتبار أنّ الحلف الروسيّ يبحث عن مجالات أوسع نحو الغرب الغنيّ والحلف الأوكرانيّ يبحث عن تحجيم دور روسيا وإيقاف غزوها الاقتصادي الذي أصبحت تدافع عنه بقوّة السلاح.
التكتلات الاقتصادية الناشئة:
ظهرت العديد من التكتلات الاقتصادية التي تتحدث كثيراً عن أقطاب جديدة تهدف الى إعادة انتاج نظام عالمي جديد. هذا النظام لا يبشّر بالعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات وحفظ وحدة الدول واستقلاليتها بقدر ما يبحث عن اقطاب مضادة للقوى الأمبريالية الكبرى، ليس لتفكيكها وتخليص العالم من قبضتها وانّما لإعادة انتاجها في وجه جديد سيكلف الانسانية والشعوب فقدانها لحقها في تقرير مصيرها ويعيدها الى دائرة التبعية و تحكّم اقتصاد السوق في مصائرها بواسطة قوى جديدة ناشئة تبحث عن اعادة توزيع المستعمرات أو على الأقل تقسيمها بطريقة تراها عادلة.
القضية الفلسطينية:
عودة الى أعدل القضايا الانسانية، القضية الفلسطينية والتي ما زالت ترزح تحت هيمنة هذه القوى ومندوبيها من الأنظمة المتخاذلة والرجعية والتي أخذت في لعب أدوار مشبوهة لإفراغ القضية من مضمونها المركزي "الأرض، كلّ الأرض" عبر ممارسات عدّة تجاوزت مجرد الإذعان والرضا بالأمر الواقع الى التخاذل في الانتصار لهذا الحق.
أصبحت اليوم هذه الأنظمة تعتمد جدياً على بوابة التطبيع التي تشكل الوجه الناعم الإمبريالية التي يتسرب من خلالها المشروع الاستيطاني للكيان الصهيوني ويجد بالتالي الغطاء الواسع من الشرعية لممارساته.
لقد تحولت مناهضة الامبريالية من متابعة ممارسات القوى الاستعمارية الى الانتباه الى ما تنتجه هذه القوى من بدائل ناعمة تهدف الى التسلل الى كل المجالات وتفرض على الانسانية نوعاً من العبودية الجديدة التي لا يمكن التصدّي لها إلّا بالدفاع عن استقلالية القرار الوطني والحفاظ على الأرض من الشعوب وحكامها أكثر من أيّ وقت مضى.


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium