مسلسل "تحت الوصاية" من بطولة منى ذكي، كتابة شيرين وخالد دياب، ومن إخراج محمد شاكر خضير، استطاع إثارة الرأي العام العربي والعالمي لا المصري فقط، بل أدّى إلى حالة غضب لم تنته مع نهاية المسلسل، لأن المشرفين على العمل قرّروا حرمان الجمهور من تنفّس الصعداء في نهاية القصة. "حنان" امرأة خسرت زوجها، وترملت مع ولدين؛ تفاجأت بقانون حقّ وصاية الجدّ على أموال الأبناء في حال وفاة الزوج؛ ومن هنا بدأت رحلة معاناة سيّدة وحيدة في غابة مجتمعيّة يحميها قانون البقاء للأقوى.
بالطبع، من وضع قانون الوصاية وغيره من القوانين الذكورية المجحفة بحق المرأة والرجل معاً لم يكن أمّاً، بل سلطة أبوية استأثرت بمراكز صنع القرار منذ زمن طويل. اللافت في الموضوع أن المسلسل يظهر الأثر السلبي لقانون الوصاية ليس فقط على الإناث، بل على الذكور أيضاً، من خلال نقل تفاصيل معاناة الابن "ياسين" وحرمانه من طفولته وحقه الطبيعي بصرف أمواله على متطلباته الأساسية من مأكل ومشرب وتعليم وترفيه والإحساس بالأمان والاستقرار النفسي والاقتصادي والاجتماعي.
تقرر "حنان" استرداد حقّها في مركب زوجها لا "سرقته"، خاصة بعد تعرض عين ابنها القاصر "ياسين" للإصابة، نتيجة عمله في الورشة تحت ضغط الجدّ، الذي حاول إقناع حفيده بترك المدرسة. شعرت "حنان" بأنها كائن مهمّش ليس له أيّ قيمة اجتماعية أو قانونية سوى الإنجاب والتربية تحت إشراف السلطة الأبوية، وهي من حملت وأنجبت وأرضعت وربّت. وظائف بيولوجية واجتماعية تفرضها الطبيعة تارة، والمجتمع تارة أخرى، ثم يأتي القانون ليكبّل يدي تلك الأم بسلاسل الوصاية الذكوريّة، ولينظر إليها كمخلوق دونيّ، عاجز عن اتخاذ أي إجراء ماليّ يخصّ الأولاد. وتأتي شخصية "صالح" لترمز إلى السلطة الذكورية الشرسة التي تريد الاستيلاء على مال الأيتام لمجرد إدراجها في خانة الذكور. إن اختيار اسم شقيق زوج "حنان" يهدف إلى إظهار تناقضات المجتمع، وإلى السخرية من نظرته إلى رجل ظالم وسارق. فهو في الواقع ليس صالحاً، بل يرتدي قناع الإصلاح ليحكم قبضته على المركب، وليتحكّم بمصروف أولاد أخيه المتوفّى، وليسرق النسبة الأعلى من الأرباح.
في المقلب الآخر، تثبت "حنان" بعد عدّة محاولات أنّها "ريّسة" المركب، وباستطاعتها إدارته والمشاركة أيضاً في الصيد والبيع والاستثمار بدعم من أختها و"العم ربيع"، الرجل الذي خسر فرصته في إثبات نفسه عندما عمل مع رجال، لكنّه سرعان ما أحسّ بقيمته الإنسانية عندما عمل مع امرأة، فكان سنداً لها.
إضافة إلى ذلك، الصورة النمطية للمرأة في الأعمال الدرامية قد كُسِرت وبُني بدلاً منها صورة المرأة المتمردة على الدولة والمجتمع من أجل استرداد حقها وحق أطفالها، فكان أن عوقبت بالسجن كإشارة من المشرفين على العمل لاستمرار الظلم والفساد في الواقع. تستأذن "حنان" من القضاة لتقول كلمتها خلال جلسة محاكمتها بسبب "سرقة" مركب زوجها المتوفى، فتسرد تفاصيل احتياجات أطفالها: ماذا يحبّون وماذا يكرهون، متى ينامون ومتى يستيقظون، ما هي هواية ابنها، وما هو الطعام المفضّل لديهم وغيرها من تفاصيل، لو كان الأب على قيد الحياة لما أدركها. تسرد كل تلك الاحتياجات كمحاولة منها لإشعال يقظة مجتمعية قانونية تظهر من يحق له فعلاً أخذ حق الوصاية على الأطفال، ومن هو (فعلياً هي) جدير بإدارة أموال الأطفال.
إن قضايا المرأة في العالم العربي بشكل عام مهمّشة إلى حدّ ما في الأعمال الدرامية النسوية الإصلاحية للمجتمع والقانون معاً، وقد استطاع مسلسل "تحت الوصاية" إعادة طرح قضية جوهرية بأسلوب واقعي ورمزي، وفي نفس الوقت جعل الشارع المصري بأغلبيته متعاطفاً مع "ريسة المركب".
يذكرنا هذا العمل الدرامي بفيلم "عفواً أيها القانون" الذي سلط الضوء على ازدواجية المعايير في القانون عندما يتعلّق الأمر بالمرأة. لكن هل فعلاً سيحرّك المسلسل البرلمان المصري لتغيير قانون الوصاية؟ وكيف سيتصرف الشارع المصري في حال إصرار الدولة على القانون، وبالتالي استمرار حالات الظلم والمعاناة للنساء والرجال معاً؟