في 19 حزيران/يونيو 2022، فازت Andréa Furet، ممثلة كوميدية فرنسية متحوّلة جنسياً، بلقب الوصيفة الأولى لملكة جمال باريس، لتشارك بعدها في انتخاب ملكة جمال فرنسا 2023. وفي 24 حزيران/يونيو، طلب بسام مولوي، وزير الداخلية اللبناني من القوى الأمنية منع أنشطة أفراد مجتمع الميم - عين، التي اعتبرها "ترويجاً" للشذوذ الجنسي. حَدثان، في أقلّ من أسبوع، يعبّران عن نقيضَيْن في طريقة التعاطي مع الهوية الجنسية، واحترام الميول الجنسية لأيّ إنسان، في وقت ما يزال هذا الموضوع يتخبّط بين رأي الدين، نظرة المجتمع، وعشوائية القانون، تائهين عن فكرة واحدة: حرية الذات، تحت سقف "الإنسانية".
يقول بسام مولوي: "بعد انتشار دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لإقامة حفلات وأمسيات للترويج للشذوذ الجنسي في لبنان، وبعد أن تلقّت هذه الوزارة اتصالات من المراجع الدينية الرافضة لانتشار هذه الظاهرة، يطلب إليكم فوراً اتخاذ التدابير اللازمة لمنع إقامة أيّ احتفال أو لقاء أو تجمّع يهدف إلى الترويج لهذه الظاهرة". هذا الموقف من قبل رجل دولة، ذكّرني بتعليق لأحد الصحافيين، قال لي أنّه لا يحبّ "الترويج" للمالية الجنسية، عقب مقابلة أجريتها مع أحد الممثلين المثلي جنسياً عن دوره في أحد الأفلام العالمية الذي شارك فيه.
فهل أصبح "الدفاع" عن الهوية الجنسية، "ترويجاً" للشذوذ" الجنسيّ؟ هل تحوّل حقّ التعبير عن الحقيقة الجنسية، جريمة؟ هل الإنسان "سلعة" وأنا لستُ على علم بذلك؟ بالتأكيد لا، وللمرة المليار سنقول كفى انتهاكاً لحرية التعبير في أيّ موضوع كان، تحت غطاء الدين والمجتمع و"عيب" و"حرام"، وبالتحديد في موضوع الهوية الجنسية: المثلية الجنسية، التحوّل الجنسي، الازدواجية الجنسية، اللاجنسية وغيرها من المفاهيم الجنسية - الجندرية.. إنّها طبيعة بشرية، بل أكثر إنّها هوية إنسانية. الإنسان كائن بشري، يجب احترامه باسم الدين والمجتمع والإنسانية؛ وهو ليس سلعة، لنتعامل معه كمُنتَج ونروّج له سلباً أم إيجاباً.
ليس بالضرورة أن تكون من أفراد الميم - عين، حتى تحترم هويتهم وحريتهم، أو تدافع عنهم وتدعمهم، بل يجب أن تكون أولاً إنساناً، وثانياً ناضجاً فكرياً، وما عدا ذلك دعهم وشأنهم. وإن كان صعباً، على كلّ شخص أن يكتم أيّ كلام مشبّع بالإهانة و"الرُخص" بحقّهم، لأنّ تلك النظرات "الساخرة" والعبارات "السوداوية"، هي الشذوذ بحدّ ذاتها. يكفي ما يعانيه كل شخص، مختلف عن الصورة المنمّطة التي خصّه بها المجتمع العربي بالتحديد، وصراعه اليومي ولسنوات في إخفاء هويته الجنسية، وقمعه الذاتي لحقيقته الجنسية، إرضاءً لأهله ومجتمعه وبيئته. ومع أنّ العديد قد حرّروا هويتهم الجنسية، ولا يخشون البوح بها، إلّا أنّ شريحة واسعة ما تزال سجينة الخوف، رهينة "ماذا سيقولون عني؟" وأسيرة لهوية لا تمتّ إليها بصِلة.
إن كانت ألوان قوس قزح، رمز مجتمع LGBTQ، بمختلف طرق استخدامها، تشكّل انزعاجاً "نظرياً" داخل عيون بعض الشخصيات العامة، وتهديداً "سلوكياً" تجاه أمن البلد لبعض الشخصيات السياسية، فإنّ جزءًا كبيراً من معاناة أفراد ذلك المجتمع، هي نتيجة هذه السلوكيات. يكفي ما يحمل لنا الكون من صعوبات حياتية، وما تنعم به بعض الأوطان من سوء الأحوال للشعب، كي نركّز في هوية الإنسان الجنسية. على أمل أن نسهّل اندماج أيّ "اختلاف" فيما بيننا، لأنّ الاختلاف من شأنه أن يرتقي بالإنسان ويزيد من وَهج الإنسانية.