النهار

وسط العالم يشعل العالم!
المصدر: النهار - د. إيلي شديد
وسط العالم يشعل العالم!
يُعتَبَر البحر الأبيض المتوسّط من أهم البحار عبر مراحل التاريخ القديم وصولًا حتى اليوم
A+   A-
يُعتَبَر البحر الأبيض المتوسّط من أهم البحار عبر مراحل التاريخ القديم وصولًا حتى اليوم؛ حيث سهّل التنقّل بين المجتمعات في الدول المختلفة، وكان الوسيلة الأولى المساعدة على التبادل الثقافي بين السكان، كما ازدهر بالتّجارة بين القارات والدول، ونظراً لأهميته منذ القدم فقد تمّت تسميته بأسماء مختلفة، منها بحر الروم.
تبلغ مساحة البحر المتوسّط نحو مليونَي ونصف المليون كيلومتر مربع، أمّا عمقه فيختلف من منطقة إلى أخرى؛ إذ يصل إلى أربعمئة متر تقريباً عند حدوده مع تونس، وخمسة آلاف ومئة وواحد وعشرين متراً تقريباً عند حدوده مع اليونان، كما يتميّز بتنوّعه الحيويّ، ومناخه المتوسّط؛ ما جعله مكاناً يأتيه السيّاح من كلّ أقطار العالم.
يَقع البحر الأبيض المتوسّط جغرافياً في قلب العالم؛ إذ يتوسّط القارات الثلاث؛ قارة أوروبا، وقارة آسيا، وقارة أفريقيا، ويتصل من الجهة الغربية بالمحيط الأطلسي من خلال مضيق جبل طارق، ويتّصل من الجهة الشرقية مع بحر مرمرة من خلال مضيق الدردنيل، ومن الجهة الشمالية الشرقيّة يتّصل مع البحر الأسود من خلال مَضيق البوسفور، ويَرتبط من الجهة الجنوبيّة الشرقية مع البحر الأحمر من خلال قناة السويس المائية الاصطناعية.
ودول حوض البحر الأبيض المتوسط هي الدول التي يكون البحر الأبيض المتوسط جزءاً من حدودها، وتتوزّع على ثلاث قارات؛ أوروبا، وآسيا، وأفريقيا، حيث تطلّ على ثلاث عشرة دولة من قارة أوروبا، وخمس دول من قارة آسيا، وخمس دول من قارة أفريقيا على البحر الأبيض المتوسّط. وما يهمّنا في مقالنا هذا هي دول شرقي المتوسط ونعني بها فلسطين، لبنان، سوريا، تركيا، قبرص.
وقدَّرت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام 2010 احتمال وجود ما يقرب من 122 تريليون م3 من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط قبالة سواحل سوريا ولبنان وفلسطين وقبرص، بالإضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج.
وتحظى الثروة النفطية في شرق منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط بأهمية خاصّة نظرًا لعوامل عدّة منها:
- الأهمية الجيوبوليتيكية للمنطقة الأوسع التي يقع فيها، وهي منطقة الشرق الأوسط التي تضمّ نحو 47% من احتياطي النفط و41% من احتياطي الغاز في العالم. وزاد من أهميتها انفتاح البحر المتوسط على تقاطع آسيا وأوروبا وأفريقيا، واتصاله بطرق التجارة العالمية عبر مضائق السويس والبوسفور وجبل طارق.
ا- الأهمية الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية والجيو-أمنية التي تحملها هذه الثروة في تلك المنطقة بالنسبة إلى دول الجوار، والتي راهن البعض على أنّها ستغيّر المعطيات السياسية والاقتصادية لدول المنطقة.
2- الصراع على استغلال ثروات الهيدروكربون والتنافس على طرق تصديرها والتزاحم على حصص الأسواق الخارجية، بالإضافة إلى تحويل دول المنطقة إلى لاعب دولي صاعد في لعبة الغاز.
3- المنافع السياسية والاقتصادية والأمنية التي افترض كثيرون أنّ الثروة النفطية ستأتي بها لدول المنطقة.
ومع توالي الاكتشافات، رفعت هذه التقديرات آمال دول شرق البحر المتوسط، وفتحت شهية شركات النفط والغاز، وألهبت التنافس الإقليمي على الموارد، وجذبت انتباه القوى الدولية إلى ثروة إضافية وبؤرة صراع محتملة. كما أنّ اكتشاف الغاز في هذه المنطقة جاء مترافقًا مع مشاكل متعدّدة، لعلّ أهمها:
معظم دول شرق البحر المتوسط لم تكن جاهزة لناحية البيئة القانونية المناسبة لاستثمار الثروات قبالة سواحلها. ومع بدء الاكتشافات قبل نحو عقد من الزمن، دخلت دول المنطقة في سباق مع الوقت.
غالبًا ما كان الاتفاق على ترسيم الحدود وتحديد الحقول مع الدول المجاورة معلّقًا، لكن مع الاكتشافات الضخمة، أصبحت المسألة مهمّة للغاية، وباتت موازين القوى أكثر أهمية في المعادلة.
لا يضمن اكتشاف الغاز بحدِّ ذاته للدولة صاحبة حقّ الاستفادة منه سواء داخليًّا أو للتصدير، بل يجب أن يكون الاكتشاف مجديًا، وتدخل عوامل متعدّدة في هذه المعادلة أهمها وجود سوق للاستهلاك وبنية تحتية مناسبة، يضاف إليها وجود مشتر وطرق نقل إلى الأسواق الخارجية في حال كانت الكميات المكتشفة تفوق حاجة الاستهلاك المحلية.

يتميّز الصراع على الثروة النفطية في شرق حوض البحر الأبيض المتوسط بتداخل أبعاده المختلفة السياسية والاقتصادية والقانونية والأمنية مع بعضها بعضاً، وهو ما يجعله صراعًا معقدًّا وقابلًا للاشتعال لاسيّما مع كثرة اللاعبين المعنيين به محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، ووجود خلل هائل في توازن القوى بين أطراف الصراع، بالإضافة إلى مصالح اقتصادية ضخمة للمنخرطين فيه.

إنّ الصراع على الثروة النفطية في شرق المتوسط قد يزداد حدّة مع الوقت، بخاصة إذا ما ارتفعت حدّة الحرب الباردة بين أميركا وأوروبا، من جهة، وروسيا من جهة أخرى. كما أنّ دور كلٍّ من إيران وتركيا في هذا الإطار سيكون مؤثراً إذا كانت النزاعات ستشتدّ، أو تشهد المنطقة توافقاً وبالتالي ازدهاراً اقتصادياً نتيجة المدخول الكبير الذي ستوفرّه حقول الغاز والنفط لدول المنطقة. وفي حين تسعى دول هذه المنطقة الى تأمين مصالحها ستكون هناك علامة استفهام كبيرة حول لبنان، إذ إنّ القوى الحاكمة فيه تتعامل مع ملفّي النفط والغاز ضمن إطار المحاصصة والمصالح الشخصية والفئوية، وليس طبقاً لما تمليه المصلحة الوطنية. فالساحة اللبنانية باتت ضمن منطقة الصراع على الطاقة في شرق المتوسّط وهذا قد يعطي الصراع في لبنان منحى جديداً يتخطّى طابعه التقليديّ في صراع الطوائف والمذاهب والأيديولوجيا.




الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium