أمسكت الفنانة نجود العتيبي بيدها الريشة، لتكون الأداة التي حملت في قبضتها كل آلامها ومعاناتها في مرحلة النمو مع ضعف السمع التي شُخّصت به في عمر الـ 5 سنوات. وانكبت على الألوان لتعبّر برسوماتها عن مكنونات، قد يصعب على البعض تفهّمها، ولكن يستحيل على أي شخص أن يشعر بالفعل بما كانت تمرّ به تلك الفتاة. هكذا التجأت نجود العتيبي إلى الفن، ليُضمّد جرحها ويكون صدى لصوتها.
نجود العتيبي، فنانة تشكيلية سعودية وممثلة وناشطة اجتماعية، لم تستسلم أمام ضعف السمع، بل استمدّت من مشكلتها طاقة فنية، وجسّدت الصوت من خلال الألوان والصور كما تراها بعينيها. وتعتبر بأنّ الصوت "هو أحد أهم الموضوعات التي شكّلت فنّي اليوم". فهي تمكّنت أن تتخيّل أشكالاً هندسية للصوت، وتعكس ذلك عبر الألوان. هكذا أعطت نجود الصوت بُعداً أعمق في حياة الإنسان، ليتخطّى كونه الأثر المسموع من جرّاء الموجات الصوتية، ويصبح "شعوراً له ذبذبات يستطيع الإنسان أن يشعر بها قبل سماعها، أو حتى دون سماعها".
الصوت في ريشة نجود، لوحة
صحيح أنّ ضعف السمع منع نجود العتيبي من الاستماع إلى الأصوات، ولكنه لم يمنعها من مشاهدتها بعين الفنانة، ليصل إلينا على شكل لوحة. كان دفتر الرسم هو ملجأها منذ الصغر، عندما تمّ تشخيص مشكلتها، فـ "كنتُ لا أفهم ما يحدث حولي، وكنت ألهي نفسي بأدوات الرسم والأوراق في المدرسة (...) كنت لا أكفّ أخلق صوراً في مخيّلتي وأنقلها على الدفتر". وتطوّرت موهبة نجود مع الوقت، وبدأت بجمع الصور من المجلات، لتخلق منها فنّ الكولاج. بالتالي لم يعد الرسم مجرّد مهرب، بل شغف صقلته بالعلم والبحث. أمّا مصادر الإلهام، فهي: والدها، والدتها، الطبيعة والبحر. وأكثر لوحة تعبيرية تعكس الصوت والسمع هي لوحة Synesthesia، تقول: "كنتُ على الشاطئ مع أصدقائي.. أثناء السباحة لم أكن أضع سماعات الأذن وكنت اسمع كل شي بوضوح. هنا اندهشت من قوة الطبيعة وأثرها عليّ.. تأكّدت أن هناك أشخاصاً يسمعون أصواتاً ويرون الأشكال والألوان، لذلك استلهمت هذه المسألة من خلال هذا الموقف".
تطوّر فنّي عبر وسائل التواصل الاجتماعي
من الواضح تأثّر نجود العتيبي بتجربتها، ولكن أيضاً بكل ما يدور حولها. وتعتمد على أكثر من أسلوب فني في لوحاتها، منها الفن الواقعي، السريالي والتجريدي. ولا بدّ أن يلفتك وأنت تشاهد لوحاتها، إبراز اليدين، لماذا؟ "أستخدم اليدين كحاجب للصوت.. وكي تصل الرسالة بشكل أوضح". وما يساعدها في ذلك أيضاً هو وسائل التواصل الاجتماعية، التي تعرّف أكثر عن عملها وتتشارك مع الجمهور من خلال هذه الوسائط، "وساعدتني في تطوير مستوى العمل الفني، وبناء علاقات أفضل مع الفنانين المحليين والعالميّن". ولكنّ المشوار لا يخلو من الصعوبات والتحديات، إلاّ أنّ نجود تحاول الحفاظ على النظرة الإيجابية تجاه الحياة بشكل عام وحياتها بشكل خاص، "والأهمّ الحفاظ على استقراري النفسي".
نجود العتيبي، مثالٌ آخر على قوة الإرادة، والبحث عن الحلّ من صلب المشكلة. وهي تشدّد على ضرورة إيمان الشباب العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص، بقدراتهم "مهما صعبت عليهم الطرق... فهناك دائماً فرص خصوصًا في هذا الوقت الحالي". نجود اختارت الريشة لتصنع بُعداً فنياً للصوت، وكل إنسان يستطيع أن يستثمر طاقته ليحقّق ما يريده وليُحدث تغييراً على الصعيدين الشخصي والعام.